ليس عندي إلاّ السلاح ووردٌ ... قارِح مِن بناتِ ذى العُقَّالِ
تقي دونه المنايا بنفسي ... وهو دوني يَلقى صدورَ العوالي
والعُقّال رداءٌ يكون في رجلِي الدابّة، فيَعقلها، أي يمنعها عن الحركة. وأُضيفَ إِليه هذا الفرسُ، إِمّا تفاؤلا له بالنشاط، على عادتهم في التفاؤل بالعكس؛ كقولهم للّديغ "سليمٌ" مفازةٌ، وللبرءِ "اندمالٌ". أو مبالغًة في شدّة جريِه ونشاطِه؛ كذلك كقولهم للغراب "أعور" لحدّة بصرِه، أتو دفعًا لعين السوء عنه.
ومنه في حديث الدجّال: "ثمّ يأتي الخضبُ فيُعَقِّل الكرمَ"، أي يخرُج العُقَّيلى (بضمّ العين، ونشديد القاف، مقصورًا) وهو الحصرم. قلتُ: لأنّه يمتنع بحموضته عن أن يؤكَل على صفته غالبَا.
ومن ذلك، العقلُ الذي في الإنسان الذي هو مناط التكليف. سُمِّى بمصدر "عَقلَ يَعْقِل عَقْلًا"، إِذا مَنع؛ لأنّه يمنع العاقلَ مِن فعلِ ما لا يليق. وإِلى هذا المعنى ترجع فروعُ هذه المادّة جميعها.
المسألة الثانية: في حقيقة العقل
وقد اختُلف فيها. فقيل: هو قوّةٌ غريزيّةٌ توجَد في الإِنسان مِن أوّلِ وجوده. ثمّ تتزايد بتزايد بدنه تَزايُدًا تدريجيًّا، حتى يبلغ سنَّ التكليف، فتكون قد بَلَغَت أوّلَ درجات كمالها. ثمّ تنتهي زيادتُها إلى سبعٍ وعشرين سنةً، كما رُوي عن أمير المؤمنين عليِّ رضى اللهُ عنه: " يحتلم الغلامُ لأربع عشة، وينتهي طولُه لإحدى وعشرين، وينتهي عقلُه لسبعٍ وعشرين. إِلاّ التجاريب، فإِنّه لا غاية لها". هذا في العقل الغريزي. أمّا التجربيّ، فلا يزال في زيادة ما دام العاقل حيًّا؛ كما قالى عليٌ.
وعند الحكماء، العقل جوهرٌ بسيطٌ. لأنهم أدخلوه في تقسيم الجهر، حيث قالوا: "الجوهر إمّا محلُّ، وهو الهيولي (يعني المادّة المهيّئة لقبول الصورة؛ ومِن لفظِ "التهيؤ"
1 / 70