Airmata dan Senyuman
دمعة وابتسامة
Genre-genre
وفي الخمس والعشرين سنة قد أحببت السعادة مثل جميع البشر، فكنت أستيقظ كل يوم وأطلبها كما يطلبونها، لكنني لم أجدها قط في سبيلهم، ولا رأيت أثر أقدامها على الرمال المحيط بقصورهم، ولا سمعت صدى صوتها خارجا من نوافذ هياكلهم، ولما انفردت بطلبها سمعت نفسي تهمس في أذني قائلة: «السعادة صبية تولد وتحيا في أعماق القلب، ولن تجيء إليه من محيطه»، ولما فتحت قلبي لكي أرى السعادة وجدت هناك مرآتها وسريرها وملابسها، لكنني لم أجدها.
وقد أحببت الناس - أحببتهم كثيرا - والناس في شرعي ثلاثة: واحد يلعن الحياة، وواحد يباركها، وواحد يتأمل بها، فقد أحببت الأول لتعاسته، والثاني لسماحته، والثالث لمداركه.
هكذا انقضت الخمس والعشرون سنة، وهكذا ذهبت أيامي وليالي متسارعة، متتابعة، متساقطة من حياتي، مثلما تتناثر أوراق الشجر أمام رياح الخريف.
واليوم، وقد وقفت متذكرا وقوف سائر متعب بلغ منتصف العقبة، أنظر إلى كل ناحية فلا أرى لماضي حياتي أثرا أستطيع أن أومئ إليه أمام وجه الشمس قائلا: هذا لي. ولا أجد لفصول أعوامي غلة سوى أوراق مخضبة بقطرات الحبر السوداء، ورسوم غريبة مبعثرة مملوءة خطوطا وألوانا متباينة متناسقة، في هذه الأوراق المنثورة، والرسوم المبعثرة، قد كفنت ودفنت عواطفي وأفكاري وأحلامي، مثلما يدفن الزراع البذور في بطن الأرض، ولكن الزارع الذي يخرج إلى الحقل ويلقي البذور بين ثنايا التراب، يعود إلى بيته في المساء آملا راجيا منتظرا أيام الحصاد والاستغلال، أما أنا فقد طرحت حبات قلبي بلا أمل، ولا رجاء، ولا انتظار.
والآن وقد بلغت هذه المرحلة من العمر، فتراءى لي الماضي من وراء ضباب التنهيد والأسى، وبان لناظري المستقبل من وراء نقاب الماضي، أقف وأنظر إلى الوجود من خلال بلور نافذتي، وأرى وجوه الناس وأسمع أصواتهم متصاعدة إلى الفضاء، وأعي وقع أقدامهم بين المنازل، وأشعر بملامس أرواحهم وتموجات أميالهم ونبضات قلوبهم، أنظر فأرى الأطفال يلعبون ويذرون التراب بعضهم في وجوه بعض ضاحكين مقهقهين، وأرى الفتيان يسيرون بعزم رافعين رءوسهم، كأنهم يقرأون قصيدة الشباب مكتوبة بين حواشي الغيوم المبطنة بأشعة الشمس، وأرى الصبايا يخطرن وينثنين كالأغصان، ويبتسمن كالأزهار، وينظرن إلى الفتيان من وراء جفون ترتعش بالميل والانعطاف، وأرى الشيوخ يمشون على مهل محدودبي الظهور، متوكئين على العصي، محدقين بالأرض، كأنهم يبحثون بين دقائق التراب عن جواهر أضاعوها، أقف بجانب نافذتي وأنظر متأملا بجميع هذه الصور والأشباح الساكنة بمسيرها، المتطايرة بدبيبها في شوارع المدينة وأزقتها، ثم أنظر متأملا بما وراء المدينة فأرى البرية بكل ما فيها من الجمال الرهيب، والسكينة المتكلمة، والتلول الباسقة، والأودية المنخفضة، والأشجار النامية، والأعشاب المتمايلة، والأزهار المعطرة، والأنهار المترنمة، والأطيار المغردة، ثم أنظر إلى ما وراء البرية فأرى البحر بكل ما في أعماقه من الغرائب والعجائب، والمدافن والأسرار، وما على سطحه من الأمواج المزبدة، الغضوبة المتسارعة المتهاونة، والأبخرة المتصاعدة، المتبددة، المتساقطة، ثم أنظر متأملا بما وراء البحر، فأرى الفضاء غير المتناهي بكل ما فيه من العوالم السابحة، والكواكب اللامعة، والشموس والأقمار، والسيارات والثوابت، وما بينهما من الدوافع والجواذب المتسالمة، المتنازعة المتولدة، المتحولة المتماسكة بناموس لا حد له ولا مدى، الخاضعة لشروع كلي ليس لبدئه ابتداء ولا لنهايته نهاية. أنظر وأتأمل بجميع هذه الأشياء من خلال بلور نافذتي، فأنسى الخمس والعشرين وما جاء قبلها من الأجيال وما سيأتي بعدها من القرون، ويظهر لي كياني ومحيطي بكل ما أخفاه وأعلنه ذرة من تنهدة طفل ترتجف في خلاء أزلي الأعماق، سرمدي العلو، أبدي الحدود.
لكنني أشعر بكيان هذه الذرة، هذه النفس، هذه الذات التي أدعوها «أنا»، أشعر بحراكها وأسمع ضجيجها، فهي ترفع الآن أجنحتها نحو العلاء، وتمتد يداها إلى كل ناحية، وتتمايل مرتعشة في مثل اليوم الذي أبانها للوجود، وبصوت متصاعد من قدس أقداسها تصرخ قائلة: «سلام أيتها الحياة! سلام أيتها اليقظة! سلام أيتها الرؤيا! سلام أيها النهار الغامر بنورك ظلمة الأرض! وسلام أيها الليل المظهر بظلمك أنوار السماء! سلام أيتها الفصول! سلام أيها الربيع المعيد شبيبة الأرض! سلام أيها الصيف المذيع مجد الشمس! سلام أيها الخريف الواهب ثمار الأتعاب وغلة الأعمال! سلام أيها الشتاء المرجع بثوراتك عزم الطبيعة! سلام أيتها الأعوام الناشرة ما أخفته الأعوام! سلام أيتها الأجيال المصلحة ما أفسدته الأجيال! سلام أيها الزمن السائر بنا نحو الكمال! سلام أيها الروح الضابط أعنة الحياة، المحجوب عنا بنقاب الشمس! وسلام لك أيها القلب لأنك تستطيع أن تهزأ بالسلام وأنت مغمور بالدموع! وسلام لك أيتها الشفاه لأنك تتلفظين بالسلام وأنت تذوقين طعم المرارة!».
الطفل يسوع والحب الطفل
كنت بالأمس وحيدا في هذا العالم يا حبيبتي، وكانت الوحدة قاسية كالموت، وكنت منفردا كالزهرة النابتة في ظل الصخور المتعالية فلا تشعر الحياة بوجودي، ولا أنا أشعر بكيان الحياة، واليوم قد استيقظت نفسي ورأتك منتصبة بقربها، فتهيبت وتهللت، ثم سجدت أمامك مثلما فعل ذلك الراعي عندما رأى العليقة مشتعلة.
كانت بالأمس ملامس الهواء خشنة يا حبيبتي، وأشعة الشمس ضعيفة، وكان الضباب يستر وجه الأرض، وضجيج أمواج البحر يشابه الرعود القاصفة، وكنت أتلفت إلى كل ناحية فلا أرى غير ذاتي المتوجعة واقفة بجانبي، وخيالات الظلمة تهبط وتتصاعد حولي كالغربان الجائعة، واليوم قد خف الهواء، وغمر النور الطبيعة وسكنت الأمواج، وانقشعت الغيوم، فكيفما نظرت أراك وأرى أسرار الحياة محيطة بك كالهالات التي يحدثها جسم العصفور على وجه البحيرة الهادئة، عندما يتحمم بمائها الهادئ.
كنت بالأمس كلمة صامتة في خاطر الليالي، فأصبحت أغنية مفرحة على ألسن الأيام، وقد تم هذا كله في دقيقة واحدة مؤلفة من نظرة وكلمة، وتنهدة وقبلة، تلك الدقيقة يا حبيبتي قد جمعت بين استعدادات نفسي الغابرة وأمانيها الآتية، فكانت كالوردة البيضاء الخارجة من قلب الأرض المظلم إلى نور النهار، تلك الدقيقة هي من كل حياتي بمنزلة ميلاد يسوع من كل الأجيال؛ لأنها كانت مملوءة روحا وطهرا ومحبة، لأنها جعلت الظلمة في أعماقي شعاعا، والكآبة مرحا، والشقاء سعادة.
Halaman tidak diketahui