تبارك وتعالى صنعه وأنشأه ، فابتدعه كله وفطره فطرة واحدة فبراه (1)، كما قال سبحانه : ( بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) (117) [البقرة : 117]. ( فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) (11) [الشورى : 11]. وفي أقل ما ذكر الله من ذلك وجعل ، لمن فكر ونظر فاستدل (2)، دليل مبين ، وعلم يقين.
وأي دليل على الله؟! وعلى اليقين بالله؟! من افتطار الله للسماوات والأرض ، وما جعل منا ومن الأنعام أزواجا بعضها لبعض ، فجعل سبحانه ما ذكر من الأزواج أصولا ، أنسل منها بقدرته نسولا ، لا يحصيها أبدا غيره ، ولا يمكن فيها إلا تدبيره ، فأي دليل أدل؟ لمن فكر فاستدل ، على اليقين بالله؟! مما (3) يراه عيانا من صنع الله ، للأزواج المجعولة المحدثة ، وما خولف به في ذلك بينها من الذكورة والأنوثة ، فجعل ذكور الأزواج غير إناثها ، دلالة بذلك على جعلها وإحداثها ، وكان ما (4) عوين بعدها من ذرو نسلها وتكثيره ، دليلا على حكمة صانعها وتدبيره ، وآية أبانها منيرة مضية ، ودلالة بينة جلية ، لمن فكر ونظر فأحسن بقلبه ، على الله خالقه وربه ، فأيقن لفكره فيما يراه ببصره ، وما يدركه بمشاعره بالله (5) مقدره ومدبره ، فظفر باليقين والهدى ، وسلم من الحيرة والردى ، فاستراح ووثق واطمأن ، واعتقد المعرفة بالله وأيقن ، فخرج (6) بيقينه من الظلمة والمرية والشك (7)، إذا أيقن بالله مليك كل ذي ملك.
وفي مثل ذلك من الخلق والإحداث ، لما ذكر الله من صنعه للذكور والإناث ، ما
Halaman 264