فأعلت، أو آئية كقاتلة فحذفت الهمزة تخفيفًا اهـ. (والآيات في هذا المعنى كثيرة) منها قوله تعالى: ﴿واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيمًا تذروه الرياح﴾ (الكهف: ٤٥) (ولقد أحسن القائل) في بيان سرعة فناء الدنيا (إن عبادًا) عظمين كما يؤذن به التنوين (فطنا) بضم الفاء وفتح الطاء المهملة جمع فطن: من له عقل ونظر في العواقب (طلقوا الدنيا) كناية عن الزهد فيها وترك الاشتغال بشأنها (وخافوا الفتنا) بكسر الفاء وفتح الفوقية جمع فتنة: وهي الامتحان والاختبار كما في «النهاية» . وفي «مفردات الراغب»: الفتنة تستعمل في إدخال الإنسان النار أو فيما يحصل عنه العذاب وفي الاختبار جعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يعتري الإنسان من شدة ورخاء، وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالًا اهـ.
والحاصل أن الفتن المترتبة على الاشتغال بالدنيا ومخالطتها كثيرة كالشره وجمع المال من غير اعتبار حله والضنة به ومنع الحق الواجب فيه والتكبر والعجب (نظروا فيها) أي: نظروا في الدنيا يعين البصيرة فعرفوا سرعة زوالها وتحولها وانتقالها «كأنك بالدنيا ولم تكن وبالآخرة ولم تزل» (فلما علموا) بجلاء البصيرة أي شهدوا ذلك وصار لهم حالًا ومذاقًا، وإلا فكل عاقل يعلم أن الدنيا دار زوال وانتقال، لكن حجبت بصائرهم غشاوة الغفلة، فمالوا إلى لذاتها مع علمهم بحقيقة ذاتها (أنها ليست لحي وطنًا) أي: دارًا يتوطن فيها على الأبد، لأن الإنسان في هذه الدار كالمسافر المرتحل، وقد سبق حديث: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» وقال الشاعر في المعنى:
ألا إنما الدنيا كمنزل راكب
أقام عشيًا وهو بالصبح رائح
والوطن الحقيقي هو الدار الآخرة التي لا نهاية لآخرها بإرادة الله تعالى وقدرته كما جاء في الحديث «يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت» . قال بعضهم: هذا هو المراد من حديث «حبّ الوطن من الإيمان» أي: فينبغي لكامل الإيمان أن يعمر وطنه
1 / 37