من الفريقين إلا لعبادتي والأشقياء منهما إلا لمعصيتي. وقيل إلا ليعبدون: ليعرفون، لأنه لو لم يخلقهم لم يعرفوا وجوده كقوله: ﴿ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ ا﴾ وأصل العبادة الخضوع والتذلل، والمعنى: إلا ليخضعوا ويتذللوا، وكل مخلوق خاضع ذليل لقضاء الله تعالى، وقيل: إلا ليعبدون: ليوحدون، فالمؤمن يوحده في كل حال والكافر يوحده في الضراء لقوله تعالى: ﴿فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين﴾ (العنكبوت: ٦٥) وقال بعضهم: إلا ليعرفون ويعبدون على بساط المعرفة ليتبرّءوا من الرياء والسمعة.
وقال ابن عطاء: إلا ليعرفون، وما يعرفه حقيقة من وصفه بما لا يليق به اهـ. وللزمخشري في «كشافه» في هذه الآية رمز إلى دسيسة اعتزالية نبهت عليها في «شرح الأذكار» ولما كلفهم خدمته أخبرهم أنه قد كفاهم مؤنة ما يحتاجون إليه فقال تعالى: ﴿ما أريد منهم من رزق﴾ أي: ما أريد أن يرزقوا أنفسهم ولا أحدًا من خلقي «وما أريد أن يطعمون» يعني: أنفسهم ولا أحدًا من خلقي، ونسب الإطعام إلى الله لأن الخلق عياله سبحانه، ومن أطعم عيال أحد فكأنما أطعمه (وهذا) أي القول المدلول عليه بقوله: قال الله تعالى: (تصريح بأنهم خلقوا للعبادة) أي: فقط كما يفيده الاستثناء: أي خلقوا لذلك لا لجمع الدنيا والأرزاق ونحوها مما يحتاج إليه، فإن الله تعالى قد كفاهم مؤنة ذلك، ولذا عقب هذه الآية بقوله كما تقدم: ﴿ما أريد منهم من رزق﴾ ﴿فحق﴾ أي: وجب وفي نسخة بتنوينه أي فواجب فيكون خبرًا لقوله الاعتناء ﴿عليهم الاعتناء بما خلقوا له﴾ والاعتناء توجيه العناية إلى ما خلقوا له من معرفة الله تعالى وأداء حق العبودية ﴿والإعراض﴾ أي التولي، يقال: أعرض عن كذا ولي مبديًا عرضه، قال
1 / 34