أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه، فإن لم يؤمر فنبي فحسب، وهو أفضل من النبيّ إجماعًا لتمييزه بالرسالة التي هي على الأصح خلافًا لابن عبد السلامـ أفضل من النبوّة فيه.
وزعم تعلقها بالحق يرده إلى أن الرسالة فيها ذلك مع التعلق بالخلق فهو زيادة كمال فيها (وحبيبه) الأكبر كما يشهد به حديث: «ألا وأنا حبيب الله ولا فخر» إذ محبة الله للعبد المستفادة من قوله تعالى: ﴿يحبهم ويحبونه﴾ على حسب معرفته به، وأعرف الناس با تعالى نبينا، فهو أحبهم له وأخصهم باسم الحبيب، وسيأتي الكلام على المحبة إن شاء الله تعالى في قوله في الحديث القدسي: «قال الله تعالى: «ومن عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب﴾، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه» الحديث. وحبيب فعيل بمعنى مفعول من أحبه فهو محب أو من حبه يحبه بكسر الحاء فهو محبوب (وخليله) الأعظم كما يؤذن به حديث: «لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلًا» وهو فعيل بمعنى مفعول أيضًا، من الخلة بالفتح: وهي الحاجة، أو بالضم، وهي تخلل المودة في القلب لا تدع فيه خلاء إلا ملأته، وقد خالل قلبه من أسرار الهيبة ومكنون الغيوب والمعرفة والاصطفاء ما لم يدع أن يطرق قلبه نظر لغيره. هكذا قال ابن حجر. ثم اقتصاده على كون فعيل فيه بمعنى مفعول لعله لكونه أنسب بمقام الأدب وأشرف، لكونه المختار للخلة التي هي غاية الأرب، وإلا ففي «النهاية»: الخليل الصديق فعيل بمعنى فاعل، وقد يكون بمعنى مفعول من الخلة بضم أوله الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت في خلاله أي باطنه. وقيل: هي تخلل المودة في القلب بحيث لا تدع فيه خلاء إلا ملأته، أو من الخلة بالفتح: وهي الحاجة والفقر اهـ. ثم الذي رجحه جمع متأخرون كالبدر الزركشي وغيره أن الخلة أرفع لأنها نهاية المحبة وغايتها.
قال ابن القيم: وظن أن المحبة أرفع من الخلة وأن إبراهيم خليل ومحمدًا حبيب غلط وجهل، وما احتج به لأن المحبة أرفع من الخلة من نحو حديث البيهقي أنه تعالى قال له ليلة الإسراء: «يا محمد سل تعط فقال: يا ربّ إنك اتخذت إبراهيم خليلًا، فقال: ألم أعطك خيرًا من هذا؟» إلى قوله: «واتخذتك حبيبًا» وإن الحبيب يصل بلا واسطة بخلاف الخليل، قال تعالى في نبينا: ﴿فكان قاب قوسين أو أدنى﴾ (النجم: ٩) وفي إبراهيم: ﴿وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض﴾ (الأنعام: ٧٥) والخليل
1 / 31