Petunjuk Bentuk: Kajian dalam Estetika Bentuk dan Pembacaan dalam Buku Seni
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
Genre-genre
إن عالم الرياضيات البحتة المستغرق في دراساته يعرف حالة ذهنية أعتبرها شبيهة بذلك إن لم تكن مطابقة، فهو يشعر إزاء تأملاته بانفعال لا ينجم عن أي علاقة مدركة بينها وبين حياة البشر، بل ينبع - غير بشري أو فوق بشري - من قلب علم مجرد، وربما يذهب بي الظن أحيانا إلى أن مدركي الفن ومدركي الحلول الرياضية قد يكونون أكثر قربا وأوثق صلة حتى من ذلك، فأتساءل: قبل أن يأخذنا انفعال إستطيقي تجاه تجمع من الأشكال، ترانا ندرك بالفكر صواب هذا التجمع وضرورته؟ فإن صح ذلك فهو حري أن يفسر واقعة أننا إذ نمر سراعا خلال غرفة فنحن نميز جودة إحدى اللوحات، رغم أننا لا نستطيع أن نقول إنها أثارت فينا انفعالا كبيرا، فيبدو أننا نكون قد تبينا بالفكر صواب الأشكال باللوحة دون أن نتريث لنركز انتباهنا ونقبض على دلالتها الانفعالية كيفما كانت، فإذا كان الأمر كذلك فإن لنا أن نتساءل ما إذا كانت الأشكال ذاتها هي ما أدى إلى الانفعال الإستطيقي أم إدراكنا لصواب الأشكال وضرورتها؟ ولكن لا أظن أني بحاجة إلى أن أطيل الوقوف هنا لاستقصاء هذه المسألة، لقد كنت بصدد البحث عن سبب انفعالنا بتجمعات معينة من الأشكال، وما كنت لأستدرج إلى مسالك أخرى لو أنني تساءلت بدلا من ذلك: لماذا تدرك تجمعات معينة كصواب وضرورة، ولماذا يطربنا إدراكنا لصوابها وضرورتها؟ والجواب عندي هو هذا: إن الفيلسوف المستغرق، وذلك الذي يتأمل عملا من أعمال الفن، كلاهما يستوطن عالما ذا دلالة كثيفة وخاصة، دلالة لا شأن لها بدلالة الحياة. في هذا العالم لا محل لانفعالات الحياة؛ إنه عالم له انفعالاته الخاصة به وحده. •••
ليس من المستغرب على الإطلاق أن هناك عنصرا تمثيليا أو وصفيا خارجا عن الموضوع في الكثير من الأعمال الفنية العظيمة، وسوف أحاول في موضع آخر أن أبين لماذا هو غير مستغرب. إن التمثيل ليس موبقا بالضرورة، وليس هناك ما يمنع أن تكون بعض الأشكال البالغة الواقعية هي أشكال بالغة الدلالة، إلا أنه في أغلب الأحوال يكون التمثيل علامة ضعف في الفنان، فمن دأب الفنان الذي لا يقوى على خلق أشكال قادرة على إثارة انفعال إستطيقي كبير أن يتحايل على ضآلة ما يثيره باللجوء إلى انفعالات الحياة، وهو لكي يثير انفعالات الحياة فلا بد له أن يستخدم التمثيل؛ مثال ذلك أن يشرع رسام في تنفيذ مخططه، ولأنه يخشى أن تحيد رميته الأولى عن إصابة شكل جمالي فسوف يحاول الإصابة بالثانية بأن يوقظ انفعالا بالخوف أو الشفقة، ولكن إذا كان الميل إلى العزف على عواطف الحياة لدى الفنان هو علامة على خبو الإلهام في كثير من الأحوال، فإن ميل المشاهد إلى التماس عواطف الحياة وراء الشكل هو علامة على قصور الحساسية في جميع الأحوال؛ فهو يعني أن انفعالاته الإستطيقية ضعيفة أو غير تامة على كل حال، فإزاء العمل الفني يشعر الأشخاص الذين لا ينفعلون بالشكل الخالص إلا قليلا، أو لا ينفعلون على الإطلاق، بالحيرة الشديدة؛ فهم أشبه بالصم في حفل موسيقي. إنهم يعرفون أنهم ينبغي أن يشعروا إزاء هذا الشيء بانفعال هائل، غير أن الصنف الخاص من الانفعال الذي يمكن أن يثيره فيهم هو شيء يحسونه بالكاد أو لا يحسونه على الإطلاق، وهكذا يقرءون في أشكال العمل تلك الوقائع والأفكار التي يملكون القدرة على أن يشعروا بها؛ وهي الانفعالات المألوفة في الحياة، وعندما يواجهون بإحدى اللوحات فهم يردون أشكالها تلقائيا إلى العالم الذي أتوا منه، فهم يعاملون الشكل المبتكر كما لو كان شكلا مقلدا، ويعاملون اللوحة كما لو كانت صورة فوتوغرافية، وبدلا من أن يترحلوا على تيار الفن إلى عالم جديد من الخبرة الإستطيقية، فهم يولونه أظهرهم ويعودون أدراجهم إلى عالم الاهتمامات البشرية. إن دلالة العمل الفني بالنسبة لهم تتوقف على ما يجلبونه له؛ ولذلك لا يضيف الفن شيئا جديدا إلى حياتهم، إن هي إلا المادة القديمة قد أثيرت. إن العمل الفني الجيد ليحمل الشخص القادر على تذوقه ويخرج به من الحياة إلى الوجد، واستخدام الفن كوسيلة إلى انفعالات الحياة هو مثل استخدام تلسكوب لقراءة جريدة، وسوف تلاحظون أن الأشخاص الذين لا يقدرون على الشعور بانفعالات إستطيقية خالصة يتذكرون اللوحات بموضوعاتها، أما القادرون فكثيرا ما لا تكون لهم أي فكرة عما يكونه موضوع لوحة ما؛ ذلك أنهم لم يعيروا العنصر التمثيلي انتباها قط؛ ومن ثم فحين يناقشون اللوحات الفنية فهم يتحدثون عن الهيئة التي تتخذها الأشكال، وعن علاقات الألوان وكمياتها، وكثيرا ما يكون بإمكانهم أن يحكموا من خلال خط واحد ما إذا كان الفنان قديرا أو غير قدير. إن اهتمامهم بكامله منصب على الخطوط والألوان وعلاقاتها وكمياتها وكيفياتها، غير أنهم من خلال هذه الأشياء يظفرون بانفعال أكثر عمقا وأكثر جلالا بكثير من أي شيء يمكن أن يمنحه وصف الوقائع والأفكار. •••
يا لرداءة حالتي الذهنية المعتادة حين أكون في حقل موسيقي، ضجرا كنت أو محيرا فإنني أدع إحساسي بالشكل يفلت مني، وأفشل في فهم التآلفات الهارمونية فأظل أنسج بها أفكار الحياة، وأعجز عن الشعور بالانفعالات الصارمة للفن فأظل أقرأ في الأشكال الموسيقية عواطف بشرية من رعب وغموض وحب وكراهية، وأنفق اللحظات - مستمتعا إلى حد مرض - في عالم من المشاعر الآسنة المتدنية، فلو أن نتفا من أبشع ضروب التمثيل الأونوماتوبي
3
قد أقحمت داخل السيمفونية في هذه اللحظات، لما تأذيت، بل الأرجح جدا أنني سأبتهج لها وأسر، فهي حرية أن تقدم لي منطلقات جديدة لتيارات المشاعر الرومانسية والتفكير البطولي. إنني أدري تماما ما الذي حدث؛ لقد كنت أتخذ الفن سبيلا إلى انفعالات الحياة وأقرأ فيه أفكار الحياة. لقد كنت أقطع جلاميد صخر بموسى حلاقة، لقد ترديت من الذرى العالية للنشوة الإستطيقية إلى السفوح الحميمية للحياة البشرية الدافئة. إنها وطن بهيج، ولا يخجلن أحد من إمتاع نفسه هناك، كل ما في الأمر أن من عرف يوما عز الأعالي فعسير عليه ألا يستشعر في الأودية الدافئة شيئا من الهوان، ولا يتصورن أحد، لمجرد أنه قد جعل يمرح حينا في أرض الرومانسية الذلول الدافئة وأركانها الطريفة، أن بإمكانه حتى أن يحرز بما تكونه المواجيد الصارمة والمثيرة لأولئك الذين ارتقوا القمم البيضاء الباردة للفن. •••
ولكن رغم أن أصداء الفن وظلاله تثري حياة السهول فإن روحه تسكن أعالي الجبال. إن من يتودد إلى الفن ودا مشوبا فحسب، فإن الفن يرد له صنيعه مضاعفا؛ فالفن كالشمس تدفئ البذرة الصالحة في تربة صالحة وتتيح لها أن تؤتي ثمارا صالحا، ولكن وحده العاشق الكامل من يذخر له الفن هدية عجيبة جديدة - هدية فوق كل ثمن. إن أصحاب الود الممذوق يجلبون إلى الفن ويغنمون منه أفكار عصرهم الخاص وعواطف حضارتهم، فلعل امرءا في أوروبا القرن الثاني عشر قد تأثر غاية التأثر بكنيسة رومانسكية بينا لم يجد شيئا في إحدى لوحات أسرة تانج، ولعل النحت الإغريقي كان يعني الكثير لامرئ من عصر لاحق في حين لا يحرك النحت المكسيكي فيه ساكنا؛ إذ كان بمقدوره أن يجلب للأول حشدا من الأفكار المتداعية لتكون موضوعات لانفعالات مألوفة، أما العاشق الكامل، ذلك الذي يملك الشعور بالدلالة العميقة للشكل، فإنه يربأ فوق عوارض الزمان والمكان. إن مشكلات الأركيولوجيا والتاريخ وسير القديسين هي بالنسبة إليه أمر خارج عن الموضوع، فمتى كان شكل العمل دالا أصبح مصدره غير ذي صلة، إنه محمول أمام جلال تلك الصور السومرية في اللوفر على نفس التيار الانفعالي وإلى نفس النشوة الإستطيقية التي كانت تحمل العاشق الكلداني منذ أربعة آلاف عام خلت. إن آية الفن العظيم أن جاذبيته عالمية خالدة، فالشكل الدال يبقى مشحونا بالقدرة على إثارة انفعال إستطيقي في أيما شخص قادر على الشعور به. إن أفكار البشر لتموت عاجلا كالجراجس
4
وتذهب أدراج الرياح، وإن البشر ليبدلون مؤسساتهم ويغيرون عاداتهم مثلما يغيرون ستراتهم، فما كان يعد نصرا فكريا في عصر يعد حماقة في عصر آخر، وحده الفن العظيم يبقى ثابتا لا يذهب بهاؤه؛ لأن المشاعر التي يوقظها مستقلة عن الزمان والمكان؛ ذلك أن مملكة الفن ليست من هذا العالم، فماذا يهم بالنسبة لأولئك الذين يملكون حسا بدلالة الشكل إن كانت الأشكال التي تحركهم قد أبدعت في باريس أمس الأول أم في بابل منذ خمسين قرنا؟ إن أشكال الفن لا تنضب ولا تستنفد، بل تؤدي جميعا عن الطريق نفسه؛ طريق الانفعال الإستطيقي، إلى العالم نفسه؛ عالم الوجد الإستطيقي. •••
إن «ما بعد الانطباعية» شأنها شأن جميع الثورات الصحيحة، ليست أكثر من عودة وإنابة إلى المبادئ الأولى؛ ففي عالم يتوسم في الرسام أن يكون إما مصورا فوتوغرافيا وإما بهلوانا، ينبري الفنان «بعد الانطباعي» قائلا بأنه فوق كل شيء يجب أن يكون فنانا، «لا يكن همك التمثيل أو التتميم، النقل أو الصقل، فكر في خلق الشكل الدال، فكر في الفن.» هكذا يقول. إن خلق عمل فني هو مهمة جسيمة بحيث لا تترك منصرفا لتصيد شبه أو عرض براعة، وكل تقدمة على مذبح التمثيل هي شيء مسلوب من الفن. إن «ما بعد الانطباعية» ليست بحال ذلك الصنف المتعجرف من الثورة كما يفترض السوقة، بل هي في حقيقة الأمر عودة ومتاب، عودة لا إلى أي تقليد معين في الرسم بل إلى التقليد العظيم للفن البصري. إنها تضع نصب عين كل فنان ذلك المثل الأعلى الذي كان يضعه البدائيون نصب أعينهم، وهو مثل لم يعد يتعلق به منذ القرن الثاني عشر سوى عدد استثنائي من أهل العبقرية، ليست «ما بعد الانطباعية» سوى إعادة توكيد للوصية الأولى من وصايا الفن: «اخلق الشكل»
Thou shalt create form ، وهي بهذا التوكيد إنما تصافح - عبر العصور - البدائيين البيزنطيين وكل حركة حية جاهدت للبقاء منذ بداية الفن. •••
Halaman tidak diketahui