البيوت ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت (1)، وفيها من السندس والإستبرق على الأسرة الكثير، وعليها ألحاف من ألوان (2) الحرير والديباج وآنية (3) الذهب والفضة، وفيها موائد عليها من ألوان الطعام، وفي تلك الجنان نهر مطرد أشد بياضا من اللبن، وأطيب رائحة من المسك الأذفر، فقلت: لمن هذه الدار؟ وما هذا النهر (4)؟
فقالوا: هذه الدار هي الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنة، وهي دار أبيك ومن معه من النبيين ومن أحب الله.
قلت: فما هذا النهر؟
قالوا: هذا الكوثر الذي وعده الله أن يعطيه إياه.
قلت: فأين أبي؟
قالوا: الساعة يدخل عليك.
فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصور هي أشد بياضا من تلك (5) القصور، وفرش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا أنا بفرش مرتفعة على أسرة، وإذا أبي (صلى الله عليه وآله) جالس على تلك الفرش، ومعه جماعة، فلما رآني أخذني فضمني وقبل ما بين عيني، وقال:
مرحبا بابنتي، وأخذني وأقعدني في حجره، ثم قال لي: يا حبيبتي، أما ترين ما أعد الله لك وما تقدمين عليه!
فأراني قصورا مشرفات، فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل، وقال: هذه مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهما، فطيبي نفسا فإنك قادمة علي إلى أيام.
قالت: فطار قلبي، واشتد شوقي، وانتبهت من رقدتي (6) مرعوبة.
Halaman 132