وتجاهل الحاج تساؤلها، والتفت إلى حسين: أهذا ما تريد يا حسين؟
وأطرق حسين وهو يقول: إن شئت يا با الحاج. - لماذا؟ - أريد أن أتفقه في القرآن. - أهذا ما تريد حقا؟ - نعم. - ولكن ... ولكن ...
وصمت الحاج وألقى بصره إلى أمامه وراح يفكر؛ أيهما أفضل لهذا الفتى؟
من يعلم الغيب؟ وأحس كأن ضبابا كثيفا يتكون شيئا فشيئا أمام عينيه المتطلعتين إلى المستقبل، ولم يفق الحاج من شروده إلا على يد الحاجة وهي تربت ذراعه: وماذا في أن يتعلم الفتى الدين؟
ونظر الحاج إلى حسين قائلا: أخشى يا حسين أن تكون قد اخترت الأزهر؛ لأن التعليم فيه لا يكلف مالا. - لا ... لا ... لا أبدا يابا الحاج. - إن أمنيتي أن تكون محاميا أو طبيبا؛ فإني أعتقد أن مصر في أشد الحاجة إلى المحامين حتى يدافعوا عن حقوقها، أو الأطباء حتى يشفوا المرضى بها، وهم كثير. إنني فعلا أرجو أن تكون واحدا من هذين.
وقال حسين، وقد نكس رأسه: وأنا لا أريد من الدنيا إلا أن أنفذ رغباتك جميعا، ولكني أحس أنني لن أوفق إلا في الأزهر الشريف.
وصمت الحاج والي قليلا مداعبا حبات مسبحته، ثم قال: يا ابني، أنا لا أحب أن أملي عليك ما تفعل، لتكن مشيئة الله نافذة. تستطيع أن تجهز نفسك لتذهب إلى الأزهر بإذن الله.
وأشرق وجه حسين، وانبسطت أسارير الحاجة، وأكمل الحاج والي تسبيحه، وإن كان الضباب ما يزال جاثما أمام ناظريه.
الفصل الحادي عشر
كان زين العابدين بك مسافرا إلى القاهرة، وقد انتهز الحاج والي الفرصة فرغب إليه أن يصحب حسينا، ويمهد له السبيل في الإقامة بالقاهرة التي لم يرها الفتى قبل ذلك أبدا.
Halaman tidak diketahui