عيون المسائل المنسوبة إلى آرسطو، مجردة عن الحجج، لأبي نصر الفارابي.

Halaman 306

العلم ينقسم الى تصور مطلق، كما يتصور الشمس والقمر والعقل والنفس؛ والى تصور مع تصديق، كما يتحقق كون السموات كالأكر بعضها في بعض، ويعلم أن العالم محدث؛ فمن التصور ما لا يتم إلا بتصور يتقدمه، كما لا يمكن تصور الجسم ما لا يتصور الطول والعرض والعمق. وليس إذا احتاج تصور الى تصور يتقدمه يلزم ذلك في كل تصور، بل لا بد من الانتهاء الى تصور يقف ولا يتصل بتصور يتقدمه، كالوجوب والوجود والإمكان، فإن هذه لا حاجة بها الى تصور شيء قبلها يكون مشتملا بتصورها، بل هذه معان ظاهرة صحيحة مركوزة في الذهن، ومتى رام أحد إظهار هذه المعاني بالكلام عليه فإنما ذلك تنبيه للذهن، لا أنه يروم إظهارها بأشياء هي أشهر منه.

Halaman 307

ومن التصديق ما لا يمكن إدراكه ما لم يدرك قبله أشياء أخر، كما أنا نريد أن نعلم أن العالم محدث، فيحياج فيحتاج أولا أن يحصل لنا التصديق بأن العالم مؤلف، وكل مؤلف محدث، ثم نعلم أن العالم محدث؛ ولا محالة ينتهي هذا التصديق إلى تصديق لا يتقدمه تصديق يقع به التصديق؛ وهذه أحكام أولية ظاهرة في العقل، كما أن طرفين نقيض أبدا يكون أحدهما صدقا والآخر كذبا، وأن الكل أعظم من جزئه. والعلم الذي نعلم به هذه الطرق، وتوصلنا تلك الطرق الى تصور الأشياء والى التصديق، هو علم المنطق. وغرضها هو معرفة هذين الطريقين الذين ذكرناهما، حتى نفرق بين التصور التام والناقص عنه، والتصديق اليقيني والقريب من اليقيني، وغالب الظن والشك؛ فيخلص لنا من هذه الأقسام اتصور التام والتصديق اليقيني الذي لا سبيل للشك إليه.

فنقول أن إن الموجودات على ضربين: أحدهما إذا اعتبر ذاته لم يجب وجوده، ويسمى ممكن الوجود؛ والثاني إذا اعتبر ذاته وجب وجوده، ويسمى واجب الوجود. وإن كان ممكن الوجود إذا فرضناه غير موجود لم يلزم منه محال، فلا غنى بوجوده عن علة، وإذا وجد صار واجب الوجود بغيره؛ فيلزم من هذا أنه كان مما لم يزل ممكن الوجود بذاته وواجب الوجود بغيره، وهذا الإمكان، إما أن يكون شيئا فيما لم يزل، وإما أن يكون في وقت دون وقت. والأشياء الممكنة لا يجوز أن تمر بلا نهاية في كونها علة ومعلول، ولا كونها على سبيل الدور، بل لا بد من انتهائها الى شيء واجب، هو الموجود الأول.

Halaman 308

Halaman 309

Halaman 310