145

Mata Warisan

عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير

Penerbit

دار القلم

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤١٤/١٩٩٣.

Lokasi Penerbit

بيروت

وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى صَحِيفَتِهِمُ الأَرَضَةَ [١] فَأَكَلَتْ وَلَحَسَتْ مَا فِي الصَّحِيفَةِ مِنْ مِيثَاقٍ وَعَهْدٍ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ فِي طُولِ مُدَّتِهِمْ فِي الشِّعْبِ، يَأْمُرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَيَأْتِي فِرَاشَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ حَتَّى يَرَاهُ مَنْ أَرَادَ بِهِ شَرًّا أَوْ غَائِلَةً، فَإِذَا نَامَ الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أبو بَنِي عَمِّهِ فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وأمر رسول الله ﷺ أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ فُرُشِهِمْ فَيَرْقُدُ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَزَالُوا فِي الشِّعْبِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى تَمَامِ ثَلاثِ سِنِينَ، وَلَمْ تَتْرُكِ الأَرَضَةُ فِي الصَّحِيفَةِ اسْمًا لِلَّهِ ﷿ إِلَّا لَحَسَتْهُ، وَبَقِيَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ شِرْكٍ أَوْ ظُلْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، فأطلع الله ورسوله عَلَى ذَلِكَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لأَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: لا وَالثَّوَاقِبِ مَا كَذَبْتَنِي، فَانْطَلَقَ فِي عِصَابَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَوُا الْمَسْجِدَ وَهُمْ خَائِفُونَ لِقُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَأَتْهُمْ قُرَيْشٌ فِي جَمَاعَةٍ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ شِدَّةِ الْبَلاءِ لِيُسَلِّمُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِرُمَّتِهِ إِلَى قُرَيْشٍ، فَتَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: قَدْ جَرَتْ أُمُورٌ بَيْنَنَا وبينكم نذكرها لكم فأتوا بِصَحِيفَتِكُمُ الَّتِي فِيهَا مَوَاثِيقُكُمْ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ صُلْحٌ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ خَشْيَةَ أَنْ يَنْظُرُوا فِي الصَّحِيفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا، فَأَتَوْا بِصَحِيفَتِهِمْ مُعْجِبِينَ، لا يَشُكُّونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ، فَوَضَعُوهَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا لأَبِي طَالِبٍ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا عَمَّا أَحْدَثْتُمْ عَلَيْنَا وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ فِي أَمْرٍ هُوَ نِصْفٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، إِنَّ ابْنَ أَخِي أَخْبَرَنِي وَلَمْ يَكْذِبْنِي، أَنَّ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا دَابَّةً فَلَمْ تَتْرُكْ فِيهَا اسْمًا لَهُ إِلَّا لَحَسَتْهُ، وَتَرَكَتْ فِيهَا غَدْرُكُمْ وَتَظَاهُرُكُمْ عَلَيْنَا بِالظُّلْمِ، فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ كَمَا يَقُولُ فَأَفِيقُوا فَلا وَاللَّهِ لا نُسَلِّمُهُ حَتَّى نَمُوتَ مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَقُولُ بَاطِلا دَفَعْنَا إِلَيْكُمْ صَاحِبَنَا فَقَتَلْتُمْ أَوِ اسْتَحْيَيْتُمْ، فَقَالُوا: قَدْ رَضِينَا بِالَّذِي تَقُولُ، فَفَتَحُوا الصَّحِيفَةَ فَوَجَدُوا الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ ﷺ قَدْ أَخْبَرَ بِخَبَرِهَا قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ صِدْقَ مَا جَاءَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالُوا: هَذَا سِحْرُ ابْنِ أَخِيكَ، وَزَادَهُمْ ذَلِكَ بَغْيًا وَعُدْوَانًا. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ بعض أهل العلم أن رسول الله ﷺ قَالَ لأَبِي طَالِبٍ: «يَا عَمِّ: إِنَّ رَبِي قَدْ سَلَّطَ الأَرَضَةَ عَلَى صَحِيفَةِ قُرَيْشٍ، فَلَمْ تَدَعْ فِيهَا اسْمًا لِلَّهِ إِلَّا أَثْبَتَتْهُ وَنَفَتْ مِنْهَا الْقَطِيعَةَ وَالظُّلْمَ وَالْبُهْتَانَ»، قَالَ: أَرَبُّكَ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ:

[(١)] الأرضة: دويبة بيضاء تأكل الخشب ونحوه.

1 / 148