Usman bin Affan: Antara Khalifah dan Raja
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Genre-genre
وما كان عثمان ليغير شيئا من نظام الحكم الذي وضعه عمر حين دون الديوان وأقام القضاء ونظم المسالح ووضع بها الجند، وما كان له أن يخرج عن نظام الشورى الذي جرى عليه النبي
صلى الله عليه وسلم
وتابعه عليه أبو بكر وعمر؛ لذلك سارت الأمور لأول عهده هادئة مستقرة، ورجع الناس إلى مواطنهم بعد أن بايعوه وكلهم الرجاء الصالح في أن تستقر الإمبراطورية الناشئة، وأن تزداد على الأيام سعة وتزيد العرب رضا عن الحياة وتمسكا بالدين الذي أعزهم وأعلى كلمتهم.
لم يكتف عثمان أول عهده بأن زاد عطاء الناس عما كان عليه في عهد عمر زيادة أرضت الكافة والخاصة، بل أفسح لكبار المسلمين الذين أقاموا بالمدينة في حريتهم وأتاح لهم بذلك أن يستمتعوا بأنعم الحياة على نحو كان عمر يأباه عليهم. فقد منع عمر أعلام المهاجرين من قريش من الخروج في البلدان إلا بإذنه وإلى أجل، وكثيرا ما رفض الإذن بتاتا. وكان الرجل منهم يستأذنه في الغزو وهو ممن حبس بالمدينة من المهاجرين فيقول له عمر: «قد كان لك في غزوك مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ما يبلغك. وخير لك من الغزو اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك.» فعل عمر هذا بالمهاجرين ولم يكن فعله بغيرهم من أهل مكة. وكانت حجته في ذلك خشية أن تغري المهاجرين الدنيا، وأن يستكثروا من الأموال في البلاد المفتوحة فيطغوا، فيكونوا لغيرهم مثلا سيئا يضر بالدولة الناشئة. فلما ولي عثمان لم يأخذ المهاجرين بالذي كان يأخذهم به عمر؛ لأنه رأى قريشا ملت هذه الشدة في آخر عهد الفاروق؛ لذلك خلى عثمان عن المهاجرين وأباح لهم من الحرية في التنقل في أنحاء الإمبراطورية ما كان محظورا عليهم، فانساحوا في الأقطار ورأوا الدنيا ورآهم الناس، واضطربوا في البلاد وأخذوا من أنعم الحياة بالنصيب الوافر، فحبب ذلك إليهم حكومة عثمان وآثروا خفضها ولينها على ما اضطرهم إليه عمر من زهد وتقشف.
لم يفكر أحد في مؤاخذة عثمان بما في هذه الإباحة من مخالفة لسنة الخليفتين من قبله. فالناس إنما يثورون بالحاكم ويلتمسون المنطق الذي يسوغون به ثورتهم حين لا يرضي مطالبهم وأهواءهم أكثر مما يثورون به إذا تردد الرأي في تصرفاته بما يحقق المصلحة العامة وما لا يحققها. ذلك شأنهم في كل أمة وكل عصر. وقد كان للمسلمين في رقعة الإمبراطورية الفسيحة لأول عهد عثمان ما يكفل لمن شاء منهم ما شاء من رخاء ورفه عيش. وقد منعهم عمر من المتاع بهذا الرخاء وطال بهم هذا المنع، فملت نفوسهم هذه الشدة ولم يبق لها ما يسوغها. أما وقد أباح لهم عثمان ما ترضاه نفوسهم فهم من عثمان راضون وإن خالف سنة الخليفتين من قبله. فإنما أملت تصرفات أبي بكر وعمر في هذا الأمر أحداث لم يبق لها على الزمان وجود.
لم يكن عثمان يستطيع أن يلزم الناس من التقشف والزهادة ما كان يفرضه عمر عليهم؛ ذلك لأن عمر كان متقشفا شديد القسوة بنفسه، وكان يرى من الواجب عليه أن يشعر بشعور الضعيف والبائس والمحروم. وكان يقدر على احتمال هذه القسوة بنفسه لما حباه الله من صحة وقوة؛ ولأنه كان يوم ولي أمر المؤمنين في الخمسين من عمره. وكان صلبا شديد المراس فلم يكن لأحد من رعيته أن يلومه إذا هو طالب غيره أن يحذو حذوه، وأن يتأسى بسيرته. أما عثمان فكان في ذلك كله نقيض عمر. ولي الأمر وقد ناهز السبعين أو جاوزها. وقد كان، حتى في شبابه وفتوته، يحب لين العيش، يطعم أطايب الطعام ويلبس فاخر الثياب ويتختم ويشد أسنانه بالذهب. وكان له من سعة المال ما يدفع عنه - بعد أن ولي الأمر - كل شبهة في الأخذ لنفسه من أرزاق المسلمين. أما وذلك شأنه فلم يكن في وسعه أن يمنع المهاجرين أو غير المهاجرين من أن يمشوا في مناكب الأرض، وأن يأكلوا مما رزقهم الله حلالا طيبا.
وروي عن عمرو بن أمية الضمري أنه قال: إن قريشا كان من أسن منهم مولعا بأكل الخزيرة،
1
Halaman tidak diketahui