Usman bin Affan: Antara Khalifah dan Raja
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Genre-genre
وحسن إسلام أهل إفريقية من بعد، وكانوا من أسمع أهل البلدان وأطوعهم. ومما يروى أن قنسطانز إمبراطور الروم بعث إليها بعد فتح المسلمين بلادهم أميرا نزل قرطاجنة وطلب إليهم أداء جزية قدر ما أدوا للمسلمين، فردوا طلبه بأنه لم يستطع منعهم فلا جزية له عليهم.
تجري في شأن الفيء الذي غنمه العرب حين فتحوا إفريقية روايات نثبتها: منها أن عثمان بن عفان جعل لعبد الله بن سعد حين ولاه فتح إفريقية، خمس ما يستحقه بيت المال من الفيء. وبيت المال يستحق الخمس من مجموع ما غنم المسلمون. فلما تم الفتح قسم ابن سعد أربعة أخماس الغنم على الجنود، واحتجز لنفسه خمس الخمس وبعث أربعة أخماسه إلى المدينة. وسار وفد من الجند الذين فتحوا إفريقية إلى عثمان وشكوا إليه ما احتجزه عبد الله لنفسه، فقال لهم: «أنا نفلته، وأمرت له به، وذلك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد.» قالوا: «فإنا نسخطه.» قال عثمان: «فهو رد.» وكتب إلى عبد الله برد ذلك وباستصلاحهم. وفي رواية أنهم لم يكتفوا بأن يرد عبد الله إليهم ما أخذه لنفسه، بل قالوا لعثمان: «اعزله عنا فإنا لا نريد أن يتأمر علينا وقد وقع ما وقع.» فكتب إليه عثمان أن «استخلف على إفريقية رجلا ممن ترضى ويرضون، واقسم الخمس الذي كنت نفلتك في سبيل الله، فإنهم قد سخطوا النفل.» ففعل عبد الله بن سعد ورجع إلى مصر.
هذه رواية الطبري. أما ابن الأثير فيقول: «وحمل خمس إفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان، وكان هذا مما أخذ عليه. وهذا أحسن ما قيل في خمس إفريقية. فإن بعض الناس يقول: أعطى عثمان خمس إفريقية لعبد الله بن سعد. وبعضهم يقول: أعطاه مروان بن الحكم وظهر بهذا أنه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى، وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع إفريقية - والله أعلم.»
ومؤاخذة عثمان لبيعه خمس الفيء لمروان بن الحكم ترجع - إن صحت - إلى أن عثمان خالف في ذلك سنة رسول الله وسنة أبي بكر وعمر، ونقض بهذه المخالفة ما عاهد عليه حين استخلف من الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده. فلم تجر سنة رسول الله ولا سنة أبي بكر وعمر ببيع الغنائم، بل كانت توزع عينا على المسلمين يأخذ كل منها نصيبه بالعدل والقسطاس المستقيم. يضاف إلى ذلك أن مروان كان ابن عم عثمان، وأنه كان سفيرا إلى الطائف فلم يدخل مكة إلا في خلافة عثمان.
فتح عبد الله بن سعد إفريقية، وعاد إلى مصر. والرواة يختلفون: أترك ابن سعد أميرا من المسلمين يتولى أمر إفريقية؟ أم أنه لم يستخلف عليها أحدا؟ فالطبري يذكر أن عثمان أمر عبد الله بن سعد أن يستخلف على إفريقية، ويضيف أن أهل إفريقية اجتمعوا على الإسلام وحسنت طاعتهم. ويفهم من هذا القول: أنه خلف وراءه من المسلمين من أقام بإفريقية يفقه من أسلم من أهلها في دينهم ويقيم بينهم حدود الله. أما ابن الأثير فيذكر أنه: «قام بأمر إفريقية بعد جرجير رجل من الروم فطرده البطريق بعد فتن كثيرة فسار إلى الشام وبه معاوية، وقد استقر له الأمر بعد قتل علي، فوصف له إفريقية، وطلب إليه أن يرسل معه جيشا، فسير معه معاوية بن حديج السكوني ... فوصل إلى إفريقية وهي نار تضطرم، وأن ابن حديج قاتل أهل إفريقية وتغلب عليهم.» ويقول البلاذري: «لما صالح عبد الله بن سعد بطريق إفريقية، رجع إلى مصر ولم يول على إفريقية أحد ... فلما ولي معاوية بن أبي سفيان ولى معاوية بن حديج السكوني مصرا، فبعث في سنة خمسين عقبة بن نافع الفهري فغزاها وأخضعها.»
والذي يخلص من هذه الروايات أن المسلمين اكتفوا بإجلاء الروم عن إفريقية ثم تركوها لأهلها بعد أن صالحهم عبد الله بن سعد على الجزية، وأن أهل إفريقية أسلم كثير منهم، وأن البلاد وفت بما عاهدت عليه طيلة عهد عثمان وفي عهد علي، فلما عظمت الفتن بين المسلمين واحتدم النزاع بين علي ومعاوية نكث أهل إفريقية، من أسلم منهم ومن لم يسلم. فلما استقر الأمر لمعاوية جرد لهذه البلاد من فتحها ورد أهلها إلى الطاعة من جديد، ومن يومئذ أقام أهل الشمال الإفريقي على الإسلام وحسنت طاعتهم.
هذا ما أرجحه وتؤيده أكثر الروايات، فأما الذي لا خلاف عليه أن سلطان الروم تقلص عن شمال إفريقية، منذ فتحها المسلمون في عهد عثمان، وأن كل محاولة أريد بها استرداد هذه الأقاليم ذهبت عبثا.
3
امتدت الإمبراطورية الإسلامية بفتح إفريقية، فاشتملت كل البلاد التي تشاطئ البحر المتوسط من أنطاكية في شمال الشام، وفي أقصي الشرق من ذلك البحر إلى أقصى الغرب منه في شمال إفريقية. وأيقن معاوية بالشام أن هذه الشواطيء الممتدة ألوف الأميال لا يمكن أن تأمن فجاءات العدو من البحر إلا أن يكون للعرب أسطول يواجه أسطول الروم إذا حاول العودة إلى أي من هذه الأقاليم. كان هذا رأيه منذ تولى الشام وعرف مهاجمة الروم أنطاكية من البحر؛ لذلك كتب إلى عمر يذكر له قرب جزيرة قبرص من حمص، ويقول: إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم. ولم يأذن له عمر كما قدمنا. فلما تولى عثمان وهاجم الروم مصر من البحر ثم امتدت شواطيء الإمبراطورية حتى الشمال الإفريقي كله، أعاد معاوية الكرة على عثمان واستأذنه في غزو قبرص من البحر. وخشي عثمان إن هو أذن أن يخالف سيرة عمر، فينقض عهده يوم بيعته ويؤاخذه الناس بمخالفته. لكنه رأى في طلب معاوية من حسن الرأي وبعد النظر ما يكون الرفض معه من سوء السياسة؛ لذلك كتب إلى معاوية يقول: «لقد شهدت ما رد عليك عمر حين استأمرته في غزو البحر.» وأعاد معاوية عليه القول فأجابه إلى ما طلب، لكنه قال له: «تنتخب الناس ولا تقرع بينهم، خيرهم، فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه.» وكذلك جعل عثمان ركوب البحر والغزو فيه تطوعا لمن يشاء، فأمن مخالفة عمر في سيرته، ولم يرفض أمرا اعتبره من حسن الرأي وبعد النظر.
لم يلبث معاوية حين تناول كتاب عثمان أن جهز السفن للقتال. وعرف عبد الله بن سعد بن أبي سرح أمر عثمان لمعاوية، فجهز السفن في مرفأ الإسكندرية وحمل عليها من تطوع للقتال على متن الماء. بذلك أصبح للمسلمين أسطول لا يقل عن أسطول الروم بأسا، وأصبحت الدولة الإسلامية ولها إلى جانب قوتها البرية قوة بحرية على شواطئ بحري الروم والقلزم، فيها من غناء القتال وعدته ما لم يكن للعرب به عهد من قبل.
Halaman tidak diketahui