176

وزاد الباب العالي في إعلانه هذا خدشا لخواطر الإنجليز حيث قال: إن الإنجليز قد أنهوا أعمالهم في محو العصيان وتثبيت سلطة الخديو، إلا أنهم لم يأتوا في تحسين حال مصر وتقويم نظامها إلا بما فيه إجراء بعض مقاصدهم السابقة.

وإنا نقول - كما يهتف به كل مسلم: إن من فروض الدولة العثمانية أن لا تدع وسيلة للذود عن مصر وكف يد الإنجليز عنها، وأن تكون همتها في ذلك كهمتها في الذود عن نفس الأستانة، وليس لها أن ترهب هذه الرعود وتلك البروق التي لا تعقب مطرا.

ومن الحق أن نقول: إن في مكنة العثمانيين أن يقوضوا هذا البيت البلوري (بيت العظمة الإنجليزية) بحجر واحد فإذا اشتدت الأزمة تيسر لهم السعي في الوئام بين الإيرانيين والأفغانيين والبلوجيين ولا يكلفهم هذا إلا كلمتين يستندان إلى أصل ديني قويم، وعندها يعرف الإنجليز مقام أنفسهم في الأقطار الهندية والممالك الشرقية.

هل تسلط الإنجليز في الأراضي الهندية الواسعة إلا بسبب المخاصمات المذهبية التي كانت بين الأفغانيين والإيرانيين؟! ولو نظرنا إليها نظر التحقيق لما رأيناها مما يوجب شق العصا وتفريق الكلمة، ولا ريبة عندنا أن رفع الشقاق وتجديد الوفاق بين تلك الأمم أيسر شيء على الدولة العثمانية؛ لما لها من المكانة العليا في نفوس المسلمين قاطبة، ولا يظن أن اعتصام الإنجليز في جزائر بريطانيا والهند يقصر بالعثمانيين عن النكاية بهم لانقطاع السبل بين هؤلاء وأولئك وانسداد المسالك بين الممالك العثمانية والإنجليزية؛ فإن الظن يختلف عند وجود الاتفاق بين الأفغان والإيرانيين واتحاد كلمة الفرس مع العثمانيين.

هذه طريق محمرة وبندر عباس إلى بلوجستان مفتوحة للسالك مطروقة للسابل، وهي الطريق التي سلكها أول جيش إسلامي بعث به الحجاج بن يوسف لفتح السند، إن هذه لجولة لو كانت لأثارت في وجوه الإنجليز غبرة يضلون فيها عن رشادهم.

ومعلوم أن الحي لا يسلم نفسه للموت بلا مدافعة ما دام قادرا عليها، يكفي لقيام مليون من المقاتلين الأفغانيين والبلوجيين، تحرك خمسة آلاف عثماني إلى أحيائهم، لست أبالي أن أقول الحق إذا حصل التساهل في أمر مصر وانفتح باب المطامع لكل دولة صغيرة أو كبيرة وعزت بعد هذا وسائل التلاقي، فلتأت الدولة العثمانية على ما في الوسع. ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.

أسف

غالت نائبة الدهر طراز العرب، وزهرة الأدب، صفينا أديب أفندي إسحق، قضى نحبه في شرح الشبوبية، وعنفوان الفتوة، وترك لنا قلوبا آسفة، وشئونا فائضة - إنا لله وإنا إليه راجعون.

الفصل السادس والسبعون

حرية الصحافة والاستعمار!

Halaman tidak diketahui