149

المستر جلادستون وعد بأن يرسل جيشا إلى السودان، لكن لا بد من مراعاة الفصول والأهوية، ثم أظهر تجافيه عن حرب السودانيين الذين يدافعون عن حريتهم وبلادهم.

الفصل الخامس والخمسون

المسألة المصرية دولية

إنا أنذرنا الإنجليز خطرا قريبا على الهند، ونبهنا في أول عدد صدر من جريدتنا على أن تفيؤ التركمان في مرو لظل الحكومة الروسية باختيارهم ربما يحمل تركمان سرخس على الاقتداء بهم، وأشرنا إلى ما يتبع ذلك مما عاقبته نكال على الإنجليز، واليوم وقع ما توقعناه، فاستولت روسيا على سرخس وتاخمت بحدودها حكومة الأفغان، وارتعدت فرائص الإنجليز وغشيهم الفزع والقلق، وأعولت جرائدهم نحيبا ورددت نشيجا وأحست بقرب الأجل، ولم يسكن روعهم ما ذكرته جريدة بترسبرج الشبيهة بالرسمية من أن سرخس اسم يشترك بين مدينتين، قديمة وحديثة، وإنما دخل في حوزة الروس أولاهما؛ فإن الإنجليز يعلمون أن المدينتين متصلتان لا يفصلهما إلا ترعة صغيرة «نهر تجند» عرضها عشرة أذرع بالتقريب.

على أن سرخس التي حكم مهندسو حرب الإنجليز أنها باب الهند من طرف الشمال، وأنها ممر فاتحيه من زمان قديم ومن طريقها طرق الهند إسكندر الأكبر ونادر شاه الإيراني، وأن وصول الروس إليها مما يخرق سياج الهند؛ إنما هي سرخس القديمة.

ومما زاد الإنجليز فزعا واضطرابا أن التركمان النازلين بتلك المدينة وما يليها هم الذين عرضوا أنفسهم على حكومة الروس طوعا واختيارا، وبعثوا وفدا منهم؛ لينوب عنهم في عرض خضوعهم على البرنس دوندكوف حاكم ما وراء بحر الخزر من الولايات الروسية، ووصل الوفد إلى عشقاباد وأقام بها ينتظر قدوم البرنس إليها.

وقع الإنجليز الآن بين شرين عظيمين: خطر عاجل وحتف آجل، أما الثاني، فهو أن روسيا إما أن تتحد مع الأفغانيين وتحالفهم على مطاردة الإنجليز، وهو الأقرب المتوقع، فتصير معهم يدا واحدة على هدم أركان الحكومة الهندية الإنجليزية، وليس بخاف ما يضمره كل أفغاني لكل إنجليزي من الحقد والضغينة، والأفغانيون قوم حرب يناطحون الموت بنواصيهم، فكيف إن وجدوا مساعدا قويا؟

وإما أن تميل حكومة الأفغان إلى الإنجليز، وهو من فرض المحال، فما أسرع أن تنتشب مقاتلات بين القبائل المختلفة ممن تحت حكومة الأفغان، مثل جمشيدي وفيروز كوهي وبين قبائل التركمان المتاخمين لهم، ويعقبها حرب بين الروس والإنجليز؛ لأن كلا من الدولتين مضطر للمدافعة عن حليفه، بل للروس حق المناضلة عن رعاياها التركمان، فإذا زحف الروس إلى الأراضي الأفغانية تقطعت حبال الإنجليز وامتنعت عليهم وسائل الدفاع، وهذا آخر حياتهم في الهند.

وأما الخطر العاجل فهو أن سماع الهنديين بخبر استيلاء الروس على سرخس يوقد فيهم نار ثورة عامة، يلتمسون في أضوائها طريقا للخلاص من الضيق والضنك الذي شملهم، وسبيلا للنجاة من الويل الذي جلبته عليهم مظالم الإنجليز.

هذا يكون كما اشتعل لهيب الفتنة سنة 1860 عندما وصل إلى الهنديين خبر استيلاء ناصر الدين شاه الإيراني على هراة، بل انتقاض الهند على الإنجليز في هذه الأيام أقرب؛ فإن خواطر المسلمين من سكانه في هياج شديد بما شاع بينهم من دعوة محمد أحمد السوداني، بل بما يمكن في أهوائهم من الميل إلى تصديقه، وإن لهذه الدعوة حملة على الهند لا يقاومها تدابير دولة بريطانيا.

Halaman tidak diketahui