الأراضي وفيحائها.
وفي أثناء استغلالها يؤسسون بها قلاعا حصينة وحصونا منيعة كما يفعلون ذلك في ثكن (أماكن إقامة العساكر) عساكرهم على أبواب العواصم الهندية، وفي خلال هذا يفتحون للأمراء أبوابا من الإسراف والتبذير ويقرضونهم ويقتضون قرضهم بالقيام على أراض أخرى يضمونها إلى الأولى، ثم يحضون نار العداوة بين الحكام لتنشب بينهم حروب فيتداخلون في أمر الصلح فيجبرون أحد المتحاربين على التنازل للآخر عن جزء من أملاكه ليتنازل لهم الثاني عن قطعة من أراضيه، وهم في جميع أعمالهم موسومون بالخادم الصادق والناصح الأمين لكل من المتغالبين.
وبعد هذا فلهم شئون لا يهملونها في إيقاع الشقاق بين سائر الأهالي؛ لتضعف قوة الوحدة الداخلية ويخرب بعضهم بيوت بعض، حتى إذا بلغ السير نهايته واضمحلت جميع القوى من الحاكم والمحكوم وغلبت الأيدي فلا يستطيع أحد حراكا؛ ساقوا الحاكم إلى المجزرة بسيوف تلك العساكر التي كانت حامية له واقية لبلاده، وكانت تشحذ لجز عنقه من سنين طويلة وينفق على صقالها من ماله ثم خلفوه على ملكه.
وكانوا يميلون بقوتهم إلى أحد أعضاء العائلة المالكة ليطلب الملك فيخلعون المالك ويولون الطالب على شريطة أن يقطعهم أرضا أو يمنحهم امتيازا، فيحولون الملك من الأب للابن ومن الأخ لأخيه ومن العم لابن أخيه، وفي الكل هم الرابحون. هذا سيرهم في الهند وهو على بعد من مراقبة أوروبا، ما فاجئوا أحدا بحرب وما اختطفوا ملكا بقوة مغالبة، بل ما أعلنوا سيادتهم على مملكة صغيرة ولا كبيرة إلا بعدما أيقنوا أن لا قوة لحاكمها ولا أهليها ولا بما تطرف به أجفانهم.
أولئك الإنجليز باقعة
2
العالم وأحبال الحيل، يريدون اليوم طرد العساكر المصرية وأرض مصر لا تحرسها الملائكة فلا تستغني عن حامية، فإن تم ما أرادوا زينوا لبعض ذوي السلطة في مصر أن يطلب منهم جندا إنجليزيا يكون خادما له وحافظا لملكه، فإن لم يقبل داروا بحيلتهم تحت أستار التمويه على كل من له حق في الولاية على تلك البلاد يعرضونها عليه، حتى يعثروا بمن يقبل نصحهم أو غشهم ذهولا عن حقيقة القصد، فيقيمونه حاكما خلفا لمن لم تسمح ذمته بالقبول، وتكون رغبة المغرور حجة لهم عند أوروبا، هذا سر انقلاب الإنجليز على الجند الوطني وقدحهم في سيرتهم بعد الثناء على حسن استعداده، وسعيهم إلى طرده بالأدلة الواهية والعلل الواهنة.
أما المؤتمر فالداعي إليه أن العدوان في هذه الأزمان لا يأتيه المعتدون كما كان في الأحقاب الخالية مشوه الوجه منكر الصورة يعرفه الذكي والغبي، بل من أراد عدوانا فلا بد أن يحفه بمواكب من الأدلة وحفال (جمع) من البراهين، وهو ما يعبرون عنه بالحقوق والمصالح. وما أصعب الوقوف على كنه العدوان وهو في هذه الحيلة وتلك الهيئة الجميلة.
يريد الإنجليز عقد المؤتمر ويرغبون قصر المداولة فيه على المسألة المالية ليضمنوا ديون القطر المصري ويكفلوا للدائنين أداء حقوقهم ويأخذوا على أنفسهم عهدة الإنفاق على الإدارات المصرية مدة من الزمان، لترخص لهم الدول الإقامة في وادي النيل إلى أمد، فيكون تفويض الدول حجة لهم في التصرف وإدارة شئون الحكومة المصرية ما دام السلم مظلا بلاد أوروبا، فإذا حدث حادث حرب في الدول الأوروبية - وما هو ببعيد الوقوع - تربعوا في تلك البلاد وأناخوا بكلاكلهم وضربوا بجرانهم على أراضيها وألقوا عصاهم، هذا سر شفقة الإنجليز على المصريين وهو سر رغبتهم في وقوف المؤتمر عند شئون المالية.
هذه المصيبة العظمى والداهية الدهماء التي تتحفز لتنقض على المصريين، هل تمس بحفيفها جانب ألمانيا؟ كلا؛ فإن منافع ألمانيا الحقيقية لا تعلق لها بالمسائل المصرية وهي في الشغل بما هو أهم منها، وليست دولة أستراليا بأقرب المصائب المصرية من ألمانيا، على أن كلا من الدولتين ليس في استطاعتهما تأييد فكرها بالعمل، لو مست الحوادث المصرية شيئا من مصالحها؛ فإن مواقع الدولتين لا تساعدهما على الإضرار بدولة الإنجليز، أما إيطاليا فهي ساكنة الجأش بما تؤمل نواله في إفريقيا بمساعدة إنجلترا، نعم، لهذا السيل الجارف تدفق على بيت محمد علي باشا، فيخشى على أركان ذلك البيت لو لم يتدارك أمره!
Halaman tidak diketahui