بن يحيى الندرومي. وهذا الكتاب الأخير وصل إليا مخطوطا ... ذكر فيه مؤلفه من أخذ عنهم من علماء الحديث في بيت المقدس ودمشق ومكة المكرمة والقاهرة المعزية، أمثال صلاح الدين العلائي الدمشقي ومحمد بن محمد الربيعي المتوفي ببيت المقدس، وسليمان بن سالم الغزي والإمام اسماعيل بن عمر بن كثير وغيرهم.
إنما ميزة كتاب "عنوان الدراية" عن غيره من كتب التراجم والسير، هي الشمول في التعريف بغير شيوخ المؤلف، وتسجيله لبعض الأحداث التاريخية، وإثباته لبعض النماذج الشعرية والنثرية المنسوبة للمترجم لهم ... زد على ذلك، أنه حفظ لنا صورة صادقة عن الحياة العقلية في مدينة بجاية في مدة قرن كامل، عكست لنا ما كان لهذه المدينة الخالدة من أثر يذكر في تنمية وإنتاج مختلف العلوم الإسلامية، ومدى صلاتها الوثيقة التي كانت تربطها مع مراكز النهضة العلمية الإسلامية في المغرب والمشرق. ولولا هذا الكتاب لظلت أكثر هذه الصفحات من تاريخ الحركة العلمية الجزائرية مجهولة.
ولكن لا بد من القول، أن الطريق التي اتبعها الغبريني في كتابته لتراجم أعلام المائة السابعة، كانت غير ذاتية في معظمها، فهو لم يعتمد على إنتاجهم من حيث قيمته الفنية، ولا على الحياة الشخصية أو العوامل التي ألهمتهم هذا الأدب أو هذا الإنتاج، مع أنه كان واسع الإلمام بكل ما كتبوه، متتبعا مراحل حياتهم مرحلة مرحلة، ولذلك لم يعكس- في بعض تراجمه- صورا واضحة على ضوء فن كتابة السير والتراجم، مما كان يساعدنا في يومنا هذا على معرفة ما كانت تنطوي عليه أحاسيسهم ونزواتهم، ومقام كل واحد من هؤلاء في عالم الدين والأدب والتاريخ .. الخ.
ومدى تجاوبهم مع مجتمعهم ومع المجتمعات الأخرى المجاورة لهم.
تبقى كلمة أخيرة، وهي أن هذا الكتاب- بشادة كبار العلماء- هو أصدق وأشمل سجل طبع عن الحياة العقلية في المائة السابعة للهجرة لا في بجاية وحدها إنما في المغرب الأوسط أيضا.
بيروت- لبنان
عادل نويهض
1 / 15