203

وجاء في ترجمة يحيى النحوي بكتاب "إخبار العلماء" ص 234: أنه كان ملاحا يعبر الناس في سفينته، وكان يحب العلم كثيرا، فإذا عبر معه قوم من دار العلم والدرس التي كانت بجزيرة الإسكندرية يتحاورون فيما مضى لهم من النظر ويتفاوضونه، يسمعه فتهش نفسه للعلم، فلما قوي رأيه في طلب العلم فكر في نفسه، وقال: "قد بلغت نيفا وأربعين سنة، وما ارتضت بشىء، ولا عرفت غير صناعة الملاحة فكيف يمكنني أن أتعرض لشيء من العلوم؟ "، وفيما هو يفكر إذ رأى نملة قد حملت نواة تمرة وهي دائبة تصعد بها، فوقعت منها فعادت وأخذتها، ولم تزل تجاهد مرارا حتى بلغت بالمجاهدة غرضها، فقال: "إذا كان هذا الحيوان الضعيف قد بلغ غرضه بالمجاهدة والمناصبة؛ فبالحري أن أبلغ غرضي بالمجاهدة"، فخرج من وقته، وباع سفينته، ولزم دار العلم، وبدأ يتعلم النحو واللغة والمنطق، فبرع في هذه الأمور لأنه أول ما ابتدأ بها، فنسب إليها واشتهر بها، ووضع كتبا كثيرة ويحيى هذا لقي عمرو بن العاص وأعجب عمرو به.

- وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام -الذي ملأ الأرض علما وعظمة نفس- في أول أمره فقيرا جدا، ولم يشتغل إلا على كبر.

واشتغل الشيخ أحمد بن إبراهيم بن الحسن القنائي في العلم وهو ابن ثلاثين سنة، وتفقه، وقرأ النحو وغيره، حتى مهر، وشغل الناس ببلده، وكان يحفظ أربع مائة سطر في يوم واحد، ثم أقبل على الطاعة ولازم الطاعة حتى توفي سنة (728 ه).

وعمر الشيخ يوسف بن رزق الله طويلا حتى قارب التسعين، وثقل سمعه، لكن بقيت حواسه كلها سليمة، وهمته همة ابن ثلاثين، مات وهو يباشر التوقيع بصفد سنة 745 ه.

وطلب الشيخ أحمد بن عبد القادر القيسي الحنفي النحوي العلوم الكثيرة، وبرع فيها، وأقبل على طلب الحديث في آخر عمره، فتكلم بعض الناس عليه، فأنكر عليهم بأبيات جميلة، قال فيها:

وعاب سماعي للأحاديث -بعدما ... كبرت- أناس هم إلى العيب أقرب

وقالوا: إمام في علوم كثيرة ... يروح ويغدو سامعا يتطلب

فقلت مجيبا عن مقالتهم وقد ... غدوت لجهل منهم أتعجب

إذا استدرك الإنسان ما فات من علا ... للحزم يعزى لا إلى الجهل ينسب

***

Halaman 206