Ulumā' Muslimin wa al-Wahhabiyyun
علماء المسلمين والوهابيون
الناس وما اختاروا لأنفسهم في كل بلد انتهى ورأيت بخط الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى ما نصه حين سئل عن الانتقال من مذهب إلى آخر الذي أقول به إن للمنتقل أحوالا أحدها أن يكون الحامل له على الانتقال أمرا دنيويا اقتضته الحاجة إلى الرفاهية اللائقة به كحصول وظيفة أو مرتب أو قرب من الملوك وأكابر الدنيا فهذا حكمه حكم مهاجر أم قيس لأنه الأعز من مقاصده الثاني أن يكون الحامل له على الانتقال أمرا دنيويا كذلك لكنه عامي لا يعرف الفقه وليس له من المذهب سوى الاسم كغالب المباشرين وأركان الدولة وخدامهم وخدام المدارس فمثل هذا أمره خفيف إذا انتقل عن مذهبه الذي كان يزعم أنه متقيد به ولا يبلغ إلى حد التحريم لأنه إلى الآن عامي لا مذهب له فهو كمن أسلم جديدا له التمذهب بأي مذهب شاء من مذاهب الأئمة الثالث أن يكون الحامل له أمرا دنيويا كذلك ولكنه من القدر الزائد عادة على ما يليق بحاله وهو فقيه في مذهبه وأراد الانتقال لغرض الدنيا الذي هو من شهوات نفسه المذمومة فهذا أمره أشد وربما وصل إلى حد التحريم لتلاعبه بالأحكام الشرعية لمجرد غرض الدنيا مع عدم اعتقاده في صاحب المذهب الأول إنه على كمال هدى من ربه إذ لو اعتقد أنه على كمال هدى ما انتقل عن مذهبه الرابع أن يكون انتقاله لغرض ديني ولكنه كان فقيها في مذهبه وإنما انتقل لترجيح المذهب الآخر عنده لما رآه من وضوح أدلته وقوة مداركه فهذا إما يجب عليه الانتقال أو يجوز له كما قاله الرافعي وقد أقر العلماء من انتقل إلى مذهب الشافعي حين قدم مصر وكانوا خلقا كثيرا مقلدين للإمام مالك الخامس أن يكون انتقاله لغرض ديني لكنه كان عاريا من الفقه وقد اشتغل بمذهبه فلم يحصل منه على شئ ووجد مذهب غيره أسهل عليه بحيث يرجو سرعة إدراكه والتفقه فيه فهذا يجب عليه الانتقال قطعا ويحرم عليه التخلف لأن تفقه مثله على مذهب إمام من الأئمة الأربعة خير من الاستمرار على الجهل لأنه ليس له من التمذهب سوى الاسم والإقامة على الجهل نقص عظيم في المؤمن وقل إن تصح معه عبادة قال الجلال السيوطي وأظن أن هذا هو السبب في تحول الطحاوي حنفيا بعد إن كان شافعيا فإنه كان يقرأ على خاله الإمام المزني فتعسر يوما عليه الفهم فحلف المزني إنه لا يجئ منه شئ فانتقل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة ففتح الله تعالى عليه وصنف كتابا عظيما شرح فيه المعاني والآثار وكان يقول لو عاش خالي ورآني اليوم لكفر عن يمينه انتهى السادس أن يكون انتقاله لا لغرض ديني ولا دنيوي بأن كان مجردا عن القصدين جميعا فهذا يجوز مثله للعامي إما الفقيه فيكره له أو يمنع منه لأنه قد حصل فقه ذلك المذهب الأول ويحتاج إلى زمن آخر ليحصل فيه فقه المذهب الآخر فيشغله ذلك عن الأمر الذي هو العمل بما تعلمه قبل ذلك وقد يموت قبل تحصيل مقصوده من المذهب الآخر فالأولى لمثل هذا ترك ذلك انتهى كلام الجلال السيوطي رحمه الله تعالى فقد بان لك يا أخي من جميع ما قررناه في هذا الفصل من عدم إنكار أهل الأعصار على من انتقل من مذهب إلى آخر أنهم كانوا يرون الشريعة واسعة وأن جميع الأئمة على هدى من ربهم وقد أجمع أهل الكشف على ذلك ولا يصح أن يجتمع مثلهم على ضلالة وقالوا كل قول من أقوال علماء
Halaman 46