Ulumā' Muslimin wa al-Wahhabiyyun
علماء المسلمين والوهابيون
قال الشيخ محيي الدين ونظير ما قلناه القول بتفضيل الرسل بعضهم على بعض بالاجتهاد ثم إذا وصل إلى شهود حضرة الوحي التي أخذوا منها أحكام شرائعهم انفك عنه التفضيل بالاجتهاد وصار لا يفرق بين أحد من رسله إلا من حيثما كشف الله تعالى له عنه بحكم اليقين لا الظن فهذا نظير المقلد إذا اطلع على العين التي أخذ الأئمة المجتهدون مذاهبهم منها انتهى وكذلك مما يؤيد هذه الميزان قول الشيخ بدر الدين الزركشي في آخر كتاب القواعد له في الفقه أعلم وفقك الله لطاعته إن الأخذ بالرخص والعزائم في محل كل منهما مطلوب فإذا قصد المكلف بفعل الرخصة قبول فضل الله عليه كان أفضل كما أشار إليه حديث أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه فإذا ثبت هذا الأصل عندك يا أخي فاعلم أن مطلوب الشرع الوفاق ورد الخلاف إليه ما أمكن كما عليه عمل الأئمة من أهل الورع والتقوى كأبي محمد الجويني وأضرابه فإنه صنف كتابه المحيط ولم يلتزم فيه المشي على مذهب معين قال وذلك في حق أهل الورع والتقوى من باب العزائم كما أن العمل بالمختلف فيه عندهم من باب الرخص فإذا وقع العبد في أمر ضروري وأمكنه الأخذ فيه بالعزيمة فله فعله وله تركه وكان ذلك الفعل الشديد عليه من باب القوة والأخذ بالعزائم إن كان راجحا وإن لم يمكنه الأخذ فيه بالعزيمة أخذ بالرخصة كما أن له الأخذ بالقول الضعيف في بعض المواطن فلا يكون ذلك منه من باب المخالفة المحضة قال الزركشي وبعد إذ علمت هذا فحينئذ تعرف أن أحدا من الأئمة الأربعة أو غيرهم لم يتقلد أمر المسلمين في القول برخصة أو عزيمة إلا على حد ما ذكرناه من هذه القاعدة فينبغي لكل مقلد للأئمة أن يعرف مقاصدهم انتهى كلام الزركشي رحمه الله في آخر قواعده وهو من أعظم شاهد لصحة هذه الميزان فلم ينقل لنا عن أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم فيما بلغنا أنه كان يطرد الأمر في كل عزيمة قال بها أو رخصة قال بها في حق جميع الأمة أبدا وإنما ذلك في حق قوم دون قوم وقد بلغنا أنه كان يفتي الناس بالمذاهب الأربعة الشيخ الإمام الفقيه المحدث المفسر الأصولي الشيخ عبد العزيز الديريني وشيخ الإسلام عز الدين بن جماعة المقدسي والشيخ العلامة الشيخ شهاب الدين البراسي الشهير بابن الأقيطع رحمهم الله والشيخ علي النبتيتي الضرير ونقل الشيخ الجلال السيوطي رحمه الله عن جماعة كثيرة من العلماء إنهم كانوا يفتون الناس بالمذاهب الأربعة لا سيما العوام الذين لا يتقيدون بمذهب ولا يعرفون قواعده ولا نصوصه ويقولون حيث وافق فعل هؤلاء العوام قول عالم فلا بأس به انتهى فإن قال قائل كيف صح من هؤلاء العلماء أن يفتوا الناس بكل مذهب مع كونهم كانوا مقلدين ومن شأن المقلد أن لا يخرج عن قول إمامه فالجواب يحتمل أن يكون أحدهم بلغ مقام الاجتهاد المطلق المنتسب الذي لم يخرج صاحبه عن قواعد إمامه كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن القاسم وأشهب والمزني وابن المنذر وابن سريج فهؤلاء كلهم وإن أفتوا الناس بما لم يصرح به إمامهم فلم يخرجوا عن قواعده وقد نقل الجلال السيوطي رحمه الله تعالى إن الاجتهاد المطلق على قسمين مطلق غير منتسب كما عليه الأئمة الأربعة ومطلق منتسب كما عليه أكابر أصحابهم الذين ذكرناهم
Halaman 17