ثم ينظر في النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المشكلة، ثم يستنبط الحل لهذه المشكلة من نصوص الكتاب والسُّنَّة أو ما دلَّا عليه من الإجماع والقياس. قال الإمام الشافعي: (فمن بعدَهُ - أي بعدَ رسول الله سيدنا مُحَمَّد ﷺ من الْحُكَّامِ أَوْلى أن لا يُحدث في شيء لله فيه حكمٌ ولا لرسوله ﷺ غير ما حَكَمَا به أو ما كان في معناه. وَوَاجِبٌ عَلَى الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِيْنَ أَنْ لَا يَقُولُواْ إِلاَّ مِنْ وَجْهٍ لَزِمَ مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِلِ اجْتَهَدُواْ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُوْلُواْ مِثْلَ مَعْنَاهُ.
ولا يكون لهم والله أعلمُ أن يُحدثوا حكمًا ليس في واحدٍ من هذه ولا في مثل معناه) (٦٥). هذه هي الطريقة في الاجتهاد؛ وهي كيفية دائمة له وهي طريقة تفكير المجتهد حين استنباط الرأى، وهي الطريقة الإسلامية في التفكير، وليست هي كيفية الاستدلال في المسألة المعينة، لأن كيفية الاستدلال في المسألة المعينة تتأثر بحال المستدل، أي تتأثر بقدرة المجتهد على قدح الفكرة بربط الواقع بمقتضاه من دلالة النص حتَّى تلمع الفكرة بالحكم الشرعي تجاه واقع المسألة. والطريقة في الاجتهاد لا تتأثر بهذا كله. فهي الكيفية الدائمة التي يستدل بها المجتهدون حين استنباط الحكم الشرعي من أدلته التفصيلية تجاه الواقع الذي يستدعي الحكم، ويسلك المجتهد نهج طريقها في طلب الظن بالأحكام الشرعية من أدلتها، ويظهر هذا في ملاحظة الفرق بين طريقة الاجتهاد وكيفية الاستدلال في تعامل المجتهدين مع دلالة النص، فتعامل المجتهد مع دلالة النص يتحكم فيه أمران فضلًا عن طريقة الاجتهاد:
الأَمْرُ الأَوَّلُ: إِلْمَامُ الْمُجْتَهِدِ بِالنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْبَابِ.
وَالأَمْرُ الثَّانِي: مَقْدِرَتُهُ عَلَى الْفَهْمِ؛ أَيْ مَلَكَةُ الْفِقْهِ.
ولهذا تجد الفقهاء في الأمور الخلافية تكثر مفارقاتهم في إعطاء الرأي، مثل مسألة اللمس في نقض الوضوء وغيرها. أما الطريقة فلم نجد فقيهًا أو أصوليًا يختلف في تعريف طريقة الاجتهاد، وكما سيأتى، إلا في العصر الراهن اختلف بعض من
_________
(٦٥) الأُم: كتاب اللعان: ج ٥ ص ١٢٨.
1 / 33