Criterion Between the Allies of the Merciful and the Allies of the Devil 1
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١
Genre-genre
انقسام الأنبياء نحو انقسام الأولياء
ونظير هذا انقسام الأنبياء ﵈ إلى عبد رسول ونبي ملك، وقد خير الله محمدًا ﷺ بين أن يكون عبدًا رسولًا وبين أن يكون نبيًا ملكًا، فاختار أن يكون عبدًا رسولًا، فالنبي الملك مثل داود وسليمان ونحوهما عليهما الصلاة والسلام، قال الله تعالى في قصة سليمان الذي ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص:٣٥ - ٣٩] أي: اعط من شئت واحرم من شئت، لا حساب عليك، فالنبي الملك يفعل ما فرض الله عليه، ويترك ما حرم الله عليه، ويتصرف في الولاية والمال بما يحبه ويختاره من غير إثم عليه، وأما العبد الرسول فلا يعطي أحدًا إلا بأمر ربه ولا يعطي من يشاء ويحرم، بل روي عنه أنه قال: (إني والله لا أعطي أحدًا ولا أمنع أحدًا، إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت)، ولهذا يضيف الله الأموال الشرعية إلى الله والرسول كقوله: ﴿قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال:١]، وقوله تعالى: ﴿ومَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الحشر:٧]، وقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال:٤١] يعني: الفرق بين النبي الملك وبين العبد الرسول: أن النبي الملك يأمر وينهى أحيانًا في الأموال وغيرها، على كونه ملتزمًا ألا يخرج عن طاعة الله، ولكن العبد الرسول بالإضافة إلى كونه لا يخرج عن الطاعة أبدًا فإنه فيما يستغرق الناس فيه من المباحات فهو يفعل ما أمر به، وإذا كان محمدٌ العبد الرسول أعلى قدرًا فإنه كان لا يعيش منعمًا وهو الرسول ﷺ، بل نام على حصير قد أثر في جنبه، ورأى عمر حاله فبكى، فقال: النبي ﷺ لـ عمر: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة).
ولهذا كان أظهر أقوال العلماء في قوله تعالى: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص:٣٩] يعني: افعل ما شئت فهو أمر مردود إليك، أما العبد الرسول فإنه ينتظر أمر الله في الإعطاء أو عدم الإعطاء، ولا عن المال أصلًا، ولا يريد أن يجمع منه يعني لحظ نفسه شيئًا، ولا ينتقم لنفسه قط، ولا يطالب بحقه قط أما سيدنا سليمان ﵇ له ذلك، والنبي محمد ﷺ لم يكن ملكًا ﵊ ولم ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ﴾ [سبأ:١٣] يعني: تماثيل على غير ذوات الأرواح إن شاء الله، ﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ:١٣] أي: قدور هائلة وكبيرة لا للطعام والشراب، وهذه أحوال الملوك دائمًا، أما الرسول ﷺ فكان يعيش متقشفًا، فكان يأكل كما يأكل العبد الرسول ويتصور بذلك الأكل أنه مع الملوك، وخلفاؤه لم يكونوا ملوكًا، فقد ضربوا أروع الأمثلة في الإيمان والزهد، حتى إن جنودهم قبضوا على رؤوس الأجناد من الدول المجاورة ويدخلون عليهم بلا بواب رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
2 / 6