أهمية كتاب التّصْحِيح والتَّرْجِيح
من المعلوم في تاريخ المذهب الحنفي أنه مذهب جماعي شوري، فقد كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى يناظر أصحابه في المسألة، يسمع ما عندهم ويقول ما عنده حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يكتبونها في الديوان (^١).
ومعلوم أن أحسن من دوّن أقوال أبي حنيفة واجتهاداته من بعده هو صاحبه محمد بن الحسن الشيباني ﵀، وأنَّه ذكر في مصنفاته رأيه ورأي أبي يوسف بعد رواية قول أبي حنيفة فيما خالفه من المسائل.
وإن الإمام محمدًا مع علوّ كعبه في الاجتهاد، لم يُقِم نفسه مقام إمام متبوع فيرجح مذهبه ويدعو إلى آرائه التي تفرّد بها عن شيوخه لأدلة لاحت له أصولًا وفروعًا .. وذلك لتأثره بالمنهج الذي خطه أستاذه وإمامه، إضافة إلى تواضعه وعرفانه لجميل شيوخه.
ونتيجة لما سبق، كثرت الأقوال في المذهب الحنفي (^٢)، واختلفت الروايات عن الإمام وأصحابه، فحرص الفقهاء المصنفون من بعدهم أن يرجحوا بين تلك الأقوال، ويبيّنوا الرأي الصحيح الذي عليه العمل في المذهب.
ولكن تلك التصحيحات والترجيحات المضمّنة في الشروح والمطولات، قد لا يطلع عليها إلا القلّة من العلماء ممن توفرت لديهم الكثير من الكتب والمصنفات، إذ لا يكفي فراءة كتاب واحد يحتوي على بعض الترجيحات؛ لأنَّه ربما يكون لصاحبه رأي خاص في بعض المسائل، وقد يختلف منهجه في التصحيح.