Kopernikus Darwin Freud
كوبرنيكوس وداروين وفرويد: ثورات في تاريخ وفلسفة العلم
Genre-genre
كما رأينا، قدم بطليموس حججا مماثلة تنطوي على سقوط الأجسام وتدمير المباني. كان الرد في جميع هذه الحالات هو صنع الدوران اليومي والسنوي للأرض الذي يشير بودين إليه بأنه حركة «طبيعية». ويرى نقولا الأورسمي وبوريدان أنه إذا كنا نشارك في هذه الحركة، فإننا لن نشعر بها. ويقول كوبرنيكوس إنها ليست حركة عنيفة كما كان يعتقد بطليموس؛ فالحركة العنيفة تدمر الأشياء بالفعل، ولكن دوران الأرض «يتوافق طبيعيا مع شكلها»، بحيث إن كل جزء من الأرض، «الغيوم وغيرها من الأشياء التي تسبح في الهواء أو تهبط أو تصعد لأعلى» يشارك في هذه الحركة الطبيعية للأرض (كوبرنيكوس 1543، الكتاب الأول). استخدم كوبرنيكوس أفكار الزخم لدحض الحجة البديهية القديمة. إذا كان غلاف الهواء يتحرك مع الأرض ويشاركها حركتها الطبيعية، فإن عدم وجود رياح عنيفة أمر متوقع. ونحن اليوم لم نعد نقبل نظرية الزخم، ومع ذلك، فإننا جميعا على دراية بمثل هذه الظواهر؛ ففي المركبات التي تتحرك باستمرار، تحدث أفعالنا - شرب القهوة ولعب الورق وقراءة الكتب - كما لو كانت المركبة متوقفة. يمثل مبدأ النسبية لجاليليو تفسيرنا لذلك. كانت نظرية الزخم خطوة مهمة نحو التفسير الحديث للحركة.
طورت نظرية الزخم للحركة في القرن الرابع عشر كبديل لنظرية أرسطو للحركة. ووفقا لهذه النظرية - كما أوضحها نقولا الأورسمي وبوريدان - تمارس قوة دافعة على الشيء وتحمله. هنا تدحض الحجة المعارضة لحركة الأرض. ناهض بوريدان في البداية نظرية أرسطو للحركة. إذا ألقيت أداة حادة وأداة غير حادة في مسار القطع المكافئ نفسه، فإن الهواء لا يستطيع أن يضغط على الأداة الحادة بالطريقة نفسها كما يضغط على الأداة غير الحادة. من الأفضل أن نقول إن القاذف (الطاقة الدافعة الداخلية) يمارس «زخما» أو قوة دافعة معينة على الشيء المتحرك، وأن المقذوف يتحرك في اتجاه الزخم، ولكن مقاومة الهواء و«جاذبية» المقذوف تقلل من الزخم؛ «فهو يقل بحيث تتفوق جاذبية الحجر عليه وتحرك الحجر إلى مكانه الطبيعي».
2
لعبت نظرية الزخم دورا أساسيا في الثورة الكوبرنيكية؛ فكانت أحد الظروف التي جعلتها ممكنة. وكذلك اعتمد نقولا الأورسمي - تلميذ بوريدان - في دحضه لحجة أرسطو الرئيسية بشأن ثبات الأرض على نظرية الزخم، وقد وجه انتباهه إلى الحجة الأولى ضد حركة الأرض. ادعى القدماء أنه إذا كانت الأرض تتحرك شرقا حول محورها، فإن الراصد الذي يرمي حجرا لأعلى في خط مستقيم سيرى الحجر يعود إلى الأرض في ناحية الغرب من قدميه. في غياب نظرية الزخم، بدت هذه الحجة منطقية؛ ففي وجهة نظر القدماء، سوف يدفع الحجر بعيدا عن موقعه الطبيعي وسيسعى للعودة إليه، ولكن بينما كان الحجر في الهواء، فإن الأرض ستدور نحو الشرق. وما دام الحجر لا يستطيع أن يصاحب الأرض في حركتها، يجب أن يقع إلى الغرب من نقطة انطلاقه، لكن أشار نقولا الأورسمي إلى أن الأرض المتحركة تمنح الحجر زخما نحو الشرق. وهذا سيجعل الحجر يتبع الأرض المتحركة (كون 1957، 121؛ ماسون 1956؛ ولف 1978، الجزء الثاني، الفصل 7).
وسع نقولا الأورسمي وبوريدان هذه الحجة لتشمل حركة الأرض. لم تكن توجد حاجة إلى «قوة سماوية» لتحريك الأجرام السماوية. لم تكن توجد حاجة إلى افتراض وجود احتكاك بين الأفلاك البلورية لإبقائها متحركة وفق إيقاعها الدائم. ولم تكن توجد حاجة لمحرك أرسطو غير المتحرك. ولا حاجة لكون يعاني من نقص في الطاقة. فخلال خلق الله للأرض، منحها قوة دافعة تبقيها متحركة. وخلافا للمقذوفات على الأرض - التي وفقا لنظرية الزخم، تتباطأ لأنها تواجه مقاومة الرياح وقوة الجاذبية الخاصة بها المرتبطة بالأرض - لا توجد مثل هذه القوة لتتداخل مع الحركة الأبدية للأرض. وعلى نحو أعم، تضمنت نظرية الزخم حركة دائرية مستدامة ذاتيا للكواكب أيضا (كون 1957، 121-122؛ دكسترهوز 1956، الفصل الثاني).
على المستوى المفاهيمي، كان لنظرية الزخم تبعات مهمة؛ فقد رفعت الحظر المفروض على إمكانية حركة الأرض؛ فالمنطق الأرسطي سبب ثبات الأرض، وبدت الحجج المعارضة لحركتها - الأجسام الساقطة، والرياح العاتية، وتهدم المنازل - منطقية. ثم أوضحت نظرية الزخم أن حركة الأرض كانت ممكنة من الناحية النظرية، كما أوحت نظرية الزخم أيضا بتوحيد الفيزياء الأرضية والسماوية؛ لأنها فسرت مسار الأجسام على الأرض وفي السماء وفقا للمبدأ نفسه؛ ومن ثم أدت إلى تدمير محتمل للكون ذي الفلكين. فصل أرسطو بين الحركة الدائرية - المخصصة للأجرام السماوية - والحركة المستقيمة للأجسام الأرضية، واعتبر أن الدوران هو الحركة الأساسية (أرسطو 1952أ، الكتاب الثامن). وتضمنت نظرية الزخم احتمال التخلص من الانقسام بين الفلكين فوق القمري وتحت القمري.
رغم التحرر الذي تمتعت به نظرية الزخم، لم تصل الحجج المدافعة عنها إلى نتائجها المنطقية. كان المفكرون في القرن الرابع عشر قانعين بدراسة البدائل المنطقية للنظرية الأرسطية، ولم يكونوا مهتمين بالإطاحة بها.
إذا كانت نظرية الزخم إحدى الظروف التي مكنت حدوث الثورة الكوبرنيكية، فإن ظهور «الحركة الإنسانية» في عصر النهضة كان ظرفا آخر. وجهت الحركة الإنسانية في عصر النهضة ضد «المدرسة السكولاستية» القروسطية؛ فكما يبين عالم الرياضيات والفيلسوف في مسرحية بريشت، تنظر المدرسة السكولاستية إلى تعاليم أرسطو كأمر مقدس. فتمثلت الثقافة السكولاستية في تفسير نصوص أرسطو. فيذكر الفيلسوف في مسرحية بريشت جاليليو بأن «كون المبجل أرسطو يمثل صرحا من (...) نسب متقنة.» ويعارض جاليليو بروح العلم الحديث بأن «الثقة في أرسطو شيء، والحقائق الملموسة شيء آخر.» ولكن هذا الاعتراض دفع الفيلسوف فحسب إلى ثورة غضب عارم قائلا: «إذا كنا سنلقي بأرسطو في الوحل - الذي يمثل سلطة لا يعترف بها كل عالم كلاسيكي فحسب، ولكن أيضا يعترف بها رؤساء الكنيسة - فإن أي إطالة لأمد هذا النقاش في رأيي مضيعة للوقت. لا فائدة في المناقشات غير الموضوعية. هذا يكفي.»
ظهر مع الإنسانية اهتمام متجدد بالانتظام الرياضي والهندسي للظواهر الطبيعة. وهذا أمر مهم لأن كوبرنيكوس كان من بين الأوائل في إحياء علم الفلك الرياضي الإغريقي، الذي كان قد ازدهر في عصر بطليموس (بلومنبرج 1957؛ 1965؛ 1981). ركزت الحركة الإنسانية أيضا تركيزا جديدا على التوجهات الذهنية البشرية حيال الكون، وقد عكست المبدأ القديم الموجود منذ بطليموس القائل بأن المعرفة الإنسانية لا يمكن أن تمتد إلى حد السماء. فرفعت الحركة الإنسانية عالم الفلك إلى منزلة «المفكر السماوي» (بلومنبرج 1957، 77)، مؤكدة على أن بمقدور البشر أن يفهموا طريقة عمل الكون. وهذا التأكيد نقل التركيز من الفهم عن طريق الملاحظة إلى الفهم عن طريق التفكير المنطقي. وكان للتركيز على الفهم المنطقي على أساس الرصد الشخصي من الأرض انعكاسات مهمة على نظرية مركزية الشمس. (3) نظرية مركزية الشمس
ولماذا لا نعترف بأن حركة الدوران اليومية تبدو منتمية إلى السماء ولكنها في الواقع تنتمي إلى الأرض؟ (كوبرنيكوس، «عن دورات الأجرام السماوية» (1543)، الكتاب الأول، الفصل 8 (17)).
Halaman tidak diketahui