Communication Skills with Children
مهارات التواصل مع الأولاد
Penerbit
مركز الملك عبد الله للحوار الوطني
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٣١هـ
Genre-genre
مهارات التواصل مع الأولاد
كي تكسب ولدك؟
إعداد
د. خالد بن سعود الحليبي
١٤٣٠هـ،٢٠٠٩م
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، ... أما بعد
فإن من أهم المهارات الحياتية، التي تتداخل مع كل مناحي الحياة وعلاقاتها، مهارات الحوار والاتصال، التي تعد في ديننا عبادة نتقرب بها إلى الله، حين نتوسل بها إلى الأهداف والغايات التي شرعت لنا، ومن أعظمها تربية النشء على طاعة الله، وعلى النجاح في الدنيا والآخرة.
ولكون فنون ومهارات الحوار والاتصال ذات فروع عديدة، وتشعبات كثيرة، لذا آثرت أن أحدد أطروحتي هذه في اتجاه أجد أن الحاجة إليه باتت ماسة جدا؛ وهي مهارات الحوار والتواصل مع الأولاد (١) خصوصا؛ وذلك لأسباب كثيرة؛ من أبرزها ما نجده من فجوة وجفوة بين الأولاد والآباء (٢)، أدت إلى كثير من المتاعب التربوية، والانحرافات السلوكية، والعقوق من جانب الأولاد، والإهمال من جانب الآباء.
وقد بنيت الكتاب على سبعة محاور:
الأول: تعريفات خاصة.
الثاني: مهارات التواصل والتربية الإيجابية.
الثالث: جدارة الطفل والمراهق أن يحاور.
الرابع: فوائد الحوار مع الأولاد.
_________
(١) يشمل هذا المصطلح الأبناء والبنات؛ ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ النساء ١١.
(٢) يشمل هذا المصطلح الآباء والأمهات؛ على سبيل التغليب والاختصار؛ كما فعل النبي ﷺ في قوله: " ولا يجني والد على ولده ولا ولد على والده" (حديث حسن) حديث رقم: ٧٨٨٠ في صحيح الجامع لناصر الدين الألباني.
1 / 8
الخامس: الإعداد النفسي للحوار مع الأولاد.
السادس: مهارات التواصل مع الأولاد.
السابع: أساليب عملية في التواصل الناجح.
وفي هذه الفرصة الثمينة أتوجه بالشكر الجزيل لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، الذي منحني هذه الفرصة لأسهم في البناء النفسي العظيم، الذي يقوم به منذ أن وضع لبناته الأولى، مبتدئا بالنخبة، ومنتهيا بكل فرد في أسرته أو مدرسته أو عمله. وهو بهذا يصنع مستقبلا أكثر تعايشا وعطاء وإبداعا بإذن الله تعالى.
والشكر والحمد والثناء العاطر لربنا أولا وآخرا.
د. خالد بن سعود الحليبي ـ
الأحساء
ـ ٢٣/ ١٠/١٤٢٩هـ
1 / 9
أولًا: تعريفات خاصة:
من معاني الاتصال في اللغة:
وصل الشيء بالشيء وصلا وصلة: ضمه به وجمعه ولأمه، وفلانا وصلا، وصله، [ضد هجره]، يكون في عفاف الحب ودعارته، ويقال: وصل حبله بفلان - وبرَّه، وـ أعطاه مالا، ورحمه أحسن إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، وعطف عليهم، ورفق بهم، وراعى أحوالهم (١).
وهذه المعاني كلها مقصودة معنية في التواصل مع الأولاد، فهم في حاجة إلى معاني التواصل الواردة؛ من ضم حسي ومعنوي، ولمِّ للشمل بوالديهم، وتواصل عاطفي في حب طاهر، وبر بهم، ووصلهم ماليا، والرحمة بهم، والإحسان إليهم، والعطف عليهم، والرفق بهم، ومراعاة أحوالهم.
ذلك لأن "من أهم خصائص الأبوة هو أن مسؤولياتها لا يمكن أن تؤدى غيابيا، أو عن بعد، فلا بد أن تكون حاضرا بشخصك، وتمكث بين أبنائك أطول فترة ممكنة" (٢)؛ لتمارس التربية دون حجب أو وسائط.
وأما التعريف الاصطلاحي فقد تكاثرت التعريفات وتعددت؛ ومجملها وخلاصتها التالي:
التواصل أو الاتصال: هو عبارة عن عملية تفاعل اجتماعي، ومشاركة إنسانية، تهدف إلى تقوية العلاقات بين أفراد الأسرة أو المجتمع أو الدول، عن طريق تبادل المعلومات والأفكار والمشاعر، التي تؤدي إلى التفاهم والتعاطف والتحابِّ، أو عكس هذه الأمور كلها.
والحوار: تفاعل لفظي وغير لفظي، بين اثنين أو أكثر، بهدف التواصل وتبادل الأفكار والمشاعر والخبرات.
_________
(١) المعجم الوسيط مادة وصل.
(٢) إنها عملية ليست معقدة، لدوج باين، مكتبة جرير ٢٠.
(٣) القاموس المحيط؛ مادة حور.
1 / 11
وفي القاموس اللغوي: حاوره محاورة وحوار جاوبه وراجعه في الكلام، وتحاور القوم تجاوبوا وتراجعوا الكلام بينهم والحوار بالكسر المحاورة والحديث (٣).
وفي القاموس اللغوي: حاوره محاورة وحوار جاوبه وراجعه في الكلام، وتحاور القوم تجاوبوا وتراجعوا الكلام بينهم والحوار بالكسر المحاورة والحديث (٣).
وتشمل أنماط الاتصال ثلاثة عناصر كبرى؛ هي:
١ - الكلام (المحتوى).
٢ـ الإيماءات الجسدية (الحركة).
٣ـ النبرات الصوتية (الأسلوب).
وقد أثبتت الدراسة الشهيرة للبروفسور مهرابيان من جامعة لوس أنجلوس أن أثر:
الحركة: ٥٥%.
الأسلوب: ٣٨%.
المحتوى: ٧% (١).
وهذه النسب تشير إلى عدة قضايا ينبغي علينا تفهمها:
إن الوالد قد يستخدم تعبيرات وجهه، وإيماءاته بطريقة مؤذية جدا لأولاده، ويظل يشعر بأنه لم يؤذهم؛ لأنه لم يتلفظ عليهم ألفاظا مشينة.
إن الوالد ربما - في المقابل - يهمل هذين العنصرين، ويظل يتواصل بالكلام وحده؛ حتى يمل أولاده من حديثه، وبخاصة من يطيل التوجيه، والحديث عن الأخطاء والسلبيات.
وهو ما يجعلنا نتحدث عن مهارات التواصل من جميع جوانب التأثير، وليس جانبا واحدا فقط؛ فقد تعود أولادنا على نمط واحد من التواصل معهم، مما جعل أثره محدودا جدا عليهم.
وهنا يجدر بنا أن نتنبه إلى اختلاف الجنسين في إدراك وسائط الاتصال غير اللفظية؛ إذ تبين أن "النساء عموما مدركات أكثر من الرجال، وقد
أوجدت هذه الحقيقة ما يشار إليه عادة بأنه "حدس النساء". إن للنساء قدرة فطرية على التقاط الإشارات غير الشفهية، وفك رموزها، فضلا عن تمتعهن بعين دقيقة بالنسبة إلى التفاصيل الصغيرة" (٢).
_________
(١) فن الإلقاء الرائع للدكتور طارق السويدان ١٩٤.
(٢) لغة الجسد لآلن بيز، تعريب سمير شيخاني، الدرا العربية للعلوم، ١٤٢٧هـ١٩٩٧م: ٩.
1 / 12
وقد أعجبتني قصاصة حوار تخيله الدكتور محمد الثويني بين شابين "يقول فيه أحدهما للآخر: أشعر بأنني عصبي، والسبب في ذلك يرجع إلى والدي الذي إذا ما خاطبته بكلمة، ردها لي بعشر كلمات، وإذا سألته سؤالا أجابني بمحاضرة طويلة، وهنا يرد عليه صديقه: احمد الله أن والدك يرد عليك، فوالدي موسمي في كلماته، وإذا نطق فلا تتجاوز كلماته: (نعم)، و(لا)، أو (صح)، و(خطأ) " (١).
هذا الحوار بين الصديقين يوضح ما قد يعانيه الأولاد من سوء استخدام الآباء للحوار، أو عدم معرفة الأسلوب الصحيح للحوار، كل ذلك يؤكد ضرورة تعلم أساليب جديدة للحوار مع أولادنا؛ حتى نكسبهم ولا نفقدهم.
وأطراف الاتصال الفعال خمسة: المرسل، والرسالة، والمستقبل، والوسيلة، والاستجابة.
عناصر النجاح لدى كل منهم:
أولا: المرسل (المصدر):
١ - أن يكون مستعدا للتنازل.
٢ - أن يكون متفتحا ذهنيًا.
٣ - أن يجعل حواره قصيرًا ومفهومًا.
٤ - أن يكون مستعدا نفسيًا ومتزنا انفعاليًا.
٥ - أن يثبت على أصل الموضوع.
٦ - أن يؤكد على نقاط الاتفاق والختام الإيجابي.
_________
(١) شريط في تربية الأولاد.
1 / 13
ثانيًا: المستقبل: (المستهدف):
لا يقل أهمية عن العنصر الأول، وغالبًا ما يكون هو محور الجلسة الحوارية الإيجابية، وله العناصر السابقة نفسها.
ثالثًا: الرسالة: الموضوع:
وهو محل الحوار وحوله يتم تبادل الحديث، ولكي تؤدى الرسالة بصورة إيجابية وتصل بصورة ناجحة لابد أن تكون:
١ - واضحة تناسب المرحلة السنية.
٢ - ذات معلومات صحيحة وموثوقة وواقعية مدعمة بالدليل.
٣ - تحمل مقاصد تعود بالفائدة والنفع على المرسل والمستقبل
٤ - مصحوبة بتعابير صوتية وحركية تناسب مرحلة المحاورين السنية.
٥ - مدعمة بوسائل إيضاح مسموعة أو مرئية أو مكتوبة. . الخ.
٦ - تحافظ على الحوار الإيجابي باستخدام بعض الأسئلة والتنبيهات
٧ - تلخص النقاط التي تم التحاور عليها في كل موضوع.
٨ - تشجع على سرعة التطبيق بعد انتهاء الحوار.
رابعا: الوسيلة (القناة):
وهي التي تنقل الرسالة، وتكون بإحدى الحواس الخمس، ويشترط أن يختارها المرسل بعناية فائقة؛ لتناسب حال المتلقي المستقبل؛ بحسب سنه، وبيئته، وظرفه، ونفسيته، واحتياجاته الشخصية، أو الخاصة بنوع جنسه.
خامسا: الاستجابة (التغذية الراجعة):
ونعني بها: مدى قبول الرسالة أو رفضها، ومدى سرعة ذلك، وهل هي لفظية، أو عبر عنها بلغة الجسد؛ كالعبوس أو الابتسامة.
والاستجابة الناجحة هي النابعة عن فهم جيد لمحتوى الرسالة، وهدف المرسل منها.
1 / 14
ثانيًا: مهارات التواصل والتربية الإيجابية:
التربية ليست وراثة، وإنما هي علم مكتسب، ونهج ينبغي تعلمه وترسمه، ولا سيما في عصر تعقدت مسالكه، وكثرت موارد التأثير فيه على أولادنا؛ حتى لم نعد وحدنا الذين نقوم بتربيتهم، وتنشئتهم، بل يشاركنا الإعلام بكل صنوفه، والشارع والمدرسة، ومجموعة القرناء.
ومن خلال تتبع الواقع، وجدت أن شكوى الآباء من الأولاد أصبحت غالبة، وهي - في مجملها - تدل على انفصام حقيقي بين الجيلين، أدى إلى فشل متعدد الوجوه؛ في مواجهة الحياة، أو في التحصيل الدراسي، أو في العلاقات الاجتماعية.
وفي نظري أن السبب الأكبر في ذلك يعود إلى فشل التواصل بين الآباء والأولاد؛ فبعضهم يجري الحوار من طرف واحد دون تجاوب الطرف الآخر إنه يتكلم أمامهم وليس معهم من باب التسلط وهو في الحقيقة ليس حوارا لغياب عنصر التبادل في التحاور.
ولذلك فإننا لا يمكن أن نعود باللوم إلى الأولاد؛ فهم في مدارج الصبا، وسلالم المراهقة، وفي مراحل التعلم، ولكن لنا أن نقول: إن الآباء والأمهات هم الذين يجب أن يتحملوا هذه المسؤولية كاملة، ويستعدوا لها تعلما وتدريبا.
إن الأساليب التي كانت متبعة في الجيل السابق، لا يمكن أن تستنسخ بمجموعها، وبكل أبعادها؛ لأنها كانت في زمن ومؤثرات وثقافة تختلف عما نحن فيه الآن، فضلا عن أنها لم تكن علمية، ولا صحيحة.
إن نشء اليوم يعيش طفرة نفسية، وطفرة ثقافية، وانفتاحا واسعا، والجواذب التي تحيط به من كل جانب أخطر من أن نستهين بها، ونحن نقوم بأصعب مهمة في الوجود البشري؛ إنها .. (التربية).
١. الخطأ السلوكي ظاهر: تطيش يد الغلام في الصحفة.
٢. الطفل علم بخطئه.
1 / 17
لقد كانت التربية السلبية هي الأكثر انتشارا في العقود المتأخرة، ليس في بلادنا فحسب، بل في معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بينما تؤكد النصوص الشرعية، والتربية الحديثة على أنها تعطي نتائج سلبية، وأن التربية الإيجابية أبقى أثرا، وأسلم عاقبة.
ومن أبرز الوسائل السلبية؛ الضرب، والسباب، واللوم. وكل منها وسيلة سهلة الاستخدام، سيئة الأثر، مهما أعطت من أثر سريع، يظهر أنه إيجابي، ما عدا الضرب غير المبرح، بشروط كثيرة، تكاد تجعله ممنوعا، وليس هذه البحث في شأنه.
فأما في الضرب فعن عائشة ﵂ قالت"ما ضرب رسول الله ﷺ امرأة له ولا خادما قط ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل الله أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله" (١).
وأما في السباب فقد قال الرسول ﷺ "ليس المؤمن بالطعان، ولا باللعان، ولا بالفاحش، ولا بالبذيء" (٢).
وأما في اللوم فعن أنس قال: "خدمت النبي ﷺ عشر سنين بالمدينة، وأنا غلام، ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن أكون عليه؛ ما قال لي فيها: أفٍّ قط وما قال لي: لم فعلت هذا؟ أو ألا فعلت هذا! " (٣).
ولنا أن نرى التربية الإيجابية التي برئت من كل سلبية في حديث عمرو بن أبي سلمة قال: كنت غلاما في حجر النبي ﷺ وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي: "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" (٤).
_________
(١) صحيح أخرجه النسائي في الكبرى بهذا اللفظ ومسلم وأحمد بهذا التمام والدارمي وابن ماجة مختصرا وللبخاري الجملة الأخيرة منه بلفظ وما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها وهو رواية لأحمد.
(٢) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني.
(٣) رواه البخاري ومسلم، ومعنى تطيش في الصحفة: أي أنها تتعدى المكان الذي من جانبه في الصحن إلى غيره.
(٤) (صحيح) إرواء الغليل للألباني: ١٩٦٨: وأخرجه البخاري ومسلم.
1 / 18
١. الخطأ السلوكي ظاهر: تطيش يد الغلام في الصحفة.
٢. الطفل علم بخطئه.
٣. لم يضربه، لم يعنفه، لم يشتمه، لم يلمه.
٤. وجهه للصواب بأسلوب إيجابي مباشر يفهمه من في سنِّه.
٥. اختصر الخطاب إلى أقصى ما يمكن من الكلمات.
النتيجة/
١. لم يخجل أمام الآخرين (سلامة الصحة النفسية).
٢. لم يجرح بسبب سلوك لم يتعلمه مسبقا (العدالة في التربية).
٣. تقبل الغلام النصيحة (تعديل السلوك).
٤. بقيت له منهجا طوال حياته، ونقلها إلينا .. (ثبات الأثر).
٥. لم يكرر الخطأ مرة أخرى (الاستقامة).
هذه هي التربية الإيجابية، التي تركز على السلوك الذي يجب أن يتعلمه ويتدرب عليه الطفل والمراهق، لا الانصباب على الخطأ ذاته؛ حتى تتحول العلاقة بين المربي والمتربي إلى علاقة تصيد أخطاء، وخوف، وتوجس، وخجل، وانطواء، وربما إلى عدوانية.
خمس خطوات للاتصال الفعال مع الأولاد؛ تحقق لنا التربية الإيجابية:
١. اربط علاقة تواصل بين عينيك وعيني ابنك؛ ولا تلتفت بوجهك عنه؛ فإن ذلك يوحي بقلة اهتمامك به.
٢. تواصل معه جسديا؛ من خلال لمسة حنان، وتشابك أيد، واحتضان، وتربيت على كتفيه؛ فإن ذلك يوطد العلاقة بينك وبينه، ويفتح نوافذ التواصل العاطفي معه، وأجهزة الاستقبال للرسائل التربوية الصادرة من المربي.
٣. علق على ما يقوله ابنك بشكل سريع مبديا تفهمك لما يقوله، من خلال حركة الرأس أو الوشوشة بنعم .. وهيه .. ونحوهما؛ مما يوحي لابنك بالطمأنينة إلى استماعك واهتمامك.
1 / 19
٤. ابتسم باستمرار، ولا تنظر إلى الساعة، ولا تؤقت لكلامه.
٥. أوضح لابنك أنك تفهمه، وأعد بعض ما قال بأسلوبه هو، لتقلل من فرص حدوث الملل منه (١).
لعلنا نجد هذه الخطوات بكل وضوح في تعامل النبي ﷺ مع الشباب؛ كما في الحديث المسلسل بالحب؛ كما عرف عند المحدثين؛ فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: "يَا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" (٢). وفي رواية صحيحة في الأدب المفرد: "أن معاذ بن جبل ﵁ قال للنبي ﷺ: "وأنا والله أحبك".
١. تواصل معه جسديا؛ حين أخذ بيده.
٢. ناداه باسمه الذي يحبه.
٣. أخبره بأنه يحبه، وأكد ذلك بـ (اليمين) و(إن)، و(اللام)، و(التكرار).
٤. جاءت الاستجابة سريعة جدا من الشاب؛ بأن كشف عن عاطفته للمربي.
٥. أعاد اسمه حين أراد تعليمه؛ لأن أجمل ما يستمع إليه الإنسان هو (اسمه).
٦. علمه ما أراد من العلم، بعد أن فتح مغاليق نفسه، وقربه من قلبه.
٧. يلاحظ أن نسبة المادة الملقنة قليلة إزاء الجانب النفسي الذي ملأ به الرسول المربي ﷺ إطار الموقف كله.
_________
(١) بتصرف من كتاب استراتيجيات التربية الإيجابية للدكتور مصطفى أبو سعد، مركز الراشد بالكويت٢٠٠٣م، ص ص: ٣٦ - ٣٧.
(٢) رواه أبو داود (١٥٢٢) قال النووي في "الأذكار" (ص/١٠٣): إسناده صحيح. وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (ص/٩٦): إسناده قوي. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". وله رواية عند البخاري في "الأدب المفرد" (١/ ٢٣٩) صححها الألباني.
1 / 20
ثالثًا: جدارة الطفل والمراهق أن يحاور:
عقدت هذا المحور نظرا لما أراه من مظاهر مجتمعية غير جيدة؛ مثل:
١. إخراج الطفل من مجالس الرجال.
٢. عدم إعطاء الطفل فرصة الحديث أمام الكبار، وإسكاته أحيانا.
٣. عدم استشارة المراهق؛ حتى فيما يعلم.
٤. إقصاء شخصيتهما تماما في بعض البيوت، والإنابة عنهما حتى فيما يخصهما.
بينما أجد أن السنة، والتربية الإيجابية الحديثة يحثان على عكس ذلك تماما؛ فمن الأمور التي ينبغي أن يحذقها الطفل والمراهق كذلك: الجرأة على طرح أفكاره، ويكون هذا بمجالسة العقلاء الكبار ليكبر عقله وينضج تفكيره؛ فمن الخطأ أن يمنع الصغير من حضور مجالس أهل الخبرة والتجربة، وقد مر عمرو بن العاص ﵁ على حلقة من قريش فقال: "ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا! أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم" (١). وهو ما صبَّه عروة بن الزبير في آذان أولاده حين قال لهم: "يا بنيَّ، اطلبوا العلم، فإن تكونوا صغار قوم لا يُحتاج إليكم، فعسى أن تكونوا كبار قوم آخرين لا يستغنى عنكم" (٢).
ويذكر لي أحد الدعاة المشهورين، أن طفلا كان يقف في الصف الأول للصلاة، فأرجعه المؤذن بعد أن نهره، وبعد سنين، تخلف إمام الجامع عن
_________
(١) شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي، تحقيق د. محمد سعيد أوغلي: ٦٥.
(٢) العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي - تحقيق محمد سعيد العريان - دار الفكر، مكتبة الرياض الحديثة - الرياض: ٢/ ٦٧.
(٣) هو الدكتور إبراهيم بن مبارك أبو بشيت، من دعاة الأحساء في المملكة العربية السعودية.
1 / 23
صلاة الجمعة، فالتفت المؤذن إلى المصلين، وقال: إن الإمام لن يأتي، هيا أيها الشاب صِّل بالناس، إن هذا المرشح من المؤذن نفسه، هو ذلك الطفل الذي نهره سابقا (٣)!!
نعم صغار قوم سيصبحون كبار قوم بإذن الله تعالى.
لقد كان ابن شهاب الزهري ﵀ يشجع الصغار ويقول: "لا تُحَقِّرُوا أنفسَكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم" (١).
عمر هو الذي تمنى أن يكون ابنه الحدث (عبد الله) قد أجاب لغزا تعليميا للنبي ﷺ في حديث رسول الله ﷺ؛ الذي قال فيه: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم حدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البادية ووقع في نفسي أنها النخلة قال عبد الله فاستحييت فقالوا يا رسول الله أخبرنا بها فقال رسول الله ﷺ هي النخلة قال عبد الله فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا» (٢).
إن عمر بذلك فتح المجال الفسيح أمام ابنه - مستقبلا - أن يكون ذا حضور فاعل في مجالس الكبار، وألا يمنعه الحياء عن المشاركة، فخرج عبد الله بن عمر أحد أكبر كبار علماء الصحابة ﵃.
ومثل ابن عباس ﵁؛ في الحديث العظيم الذي قدمه فيه النبي ﷺ على كبار الصحابة؛ عن سهل بن سعد الساعدي رضى الله تعالى عنه «أن رسول الله ﷺ أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء، فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر
_________
(١) جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، للإمام يوسف بن عبد البر النمري القرطبي، ط٣، ١٤٠٢هـ (١٩٨٢م)، دار الكتب الإسلامية، القاهرة: ١٣٩.
(٢) صحيح البخاري كتاب العلم باب الحياء.
1 / 24
بنصيبي منك أحدا قال فتله رسول الله ﷺ في يده» (١).
فأي مكانة أعظم من هذه المكانة للطفل في الإسلام، وأي حقوق يبحث عنها الطفل في المجتمع المسلم، بعد أن قدم على الأشياخ؟!
ولذلك خرج عبد الله بن عباس؛ حبر الأمة وترجمان القرآن، إنها الطاقات التي تلقتها أيد مباركة، تأخذ بها إلى الأعلى، لا الأيدي التي تقمعها، وتصفعها.
قال ابن عباس ﵄: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله فقال إنه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال وما أريته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال ما تقولون في ﴿إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا﴾ حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا فقال لي يا بن عباس أكذاك تقول قلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه الله له ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ فتح مكة فذاك علامة أجلك ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا﴾ قال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم» (٢).
بل إن عمرو بن سلمة يتقدم القوم في الصلاة وهو طفل في سن التمييز؛ يقول: "كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي ﷺ، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله ﷺ قال كذا وكذا، وكنت غلاما حافظا؛ فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا، فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله ﷺ في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، فقال: "يؤمكم أقرؤكم" وكنت أقرأهم؛ لما كنت أحفظ. فقدموني، فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم،
_________
(١) صحيح البخاري كتاب المظالم باب إذا أذن له أو أحله ولم يبين كم هو.
(٢) رواه البخاري.
1 / 25
فاشتروا لي قميصا عمانيا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثماني سنين" (١).
إن الإسلام حين يفسح للطفل بأن يؤم من هو أسن منه؛ لأنه تأهل لذلك علما وتقوى، إنما يكسر الحواجز العمرية في التعامل مع الإنسان، وأنه جدير بالاحترام والتقدير، والتواصل معه مهما كان عمره، ما دام قادرا على الحوار.
لنا أن نقارن بين هذا الاحتفاء الذي وصل إلى هذا الحد، في مقابل صورة أخرى متكررة في عدد من المساجد: تقول لي إحدى الأمهات: أولادي أعمارهم ١٠،٧ سنوات يذهبون إلى المسجد مع الأذان للصلاة في الصف الأول، لكن بعض كبار السن يرجعونهم للخلف دائما، فيرجعون إلى البيت وهم يبكون، حتى إن أحدهم قال لي يا ليت هذا الرجل الكبير الذي يرجعنا للخلف يموت!! مع أنهم يقفون باحترام، ولا يشوشون على المصلين.
لما وليّ الخلافة عمر بن عبد العزيز، وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجتها وللتهنئة، فوفد عليه الحجازيون فتقدم غلام هاشمي للكلام وكان حديث السن.
فقال عمر: لينطق من هو أسنّ منك.
فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبدا لسانا لافظا وقلبا حافظا استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك من هذا منك.
فقال عمر: صدقت، قل ما بدا لك.
فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين: نحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة، وقد أتيناك لمنّ الله الذي منّ علينا بك، ولم يقدمنا إليك إلا رغبة ورهبة؛ أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا، وأما الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك.
_________
(١) صحيح أبي داود للألباني، وأخرج البخاري نحوه.
1 / 26
فقال عمر: عظني يا غلام.
فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن ناسا من الناس غرّهم حلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم، فزلّت بهم الأقدام فهووا في النار، فلا يغرّنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك، فتزل قدمك فتلحق بالقوم، فلا جعلك الله منهم، وألحقك بصالحي هذه الأمة.
ثم سكت.
فقال عمر: كم عمر الغلام؟ فقيل له ابن إحدى عشرة سنة، ثم سأل عنه فإذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي ﵃، فأثنى عليه خيرا ودعا له (١).
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى (٢):
تعلم فليس المرءُ يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهلُ
وإن كبيرَ القوم لا علم عنده ... صغيرٌ إذا التفَّت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما ... كبير إذا رُدَّت إليه المحافل
ولا ترض من عيش بدونٍ ولا يكن ... نصيبك إرثا قدّمتْه الأوائلُ
_________
(١) المحاسن والمساوئ: ٤٥٩ - ٤٦٠، عيون الأخبار: ١/ ٣٣٣، زهر الآداب: ١/ ٧، المختار من نوادر الأخبار: ٢٤٨.
(٢) ديوان الإمام الشافعي، اعتنى به عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت لبنان؛ ط:٥، ١٤٢٩هـ (٢٠٠٨م): ٩٥.
1 / 27
رابعًا: فوائد الحوار مع الأولاد:
الحوار مع الأولاد له فوائد كثيرة جدا؛ منها:
١. يتعلم اللغة بسرعة، ويكون لقنا، طلق اللسان، فصيحا، يتمتع بجرأة وشجاعة أدبية.
٢. يكتسب منهج التفكير المنطقي، ويساعده على ترتيب أفكاره، والتعبير عن آرائه؛ كما يدربه على سرعة البديهة.
٣. يدربه على الإصغاء الجيد للآخرين، وفهم مرادهم، ويتعلم مهارات الاتصال والحوار بطريقة عملية تدريبية.
٤. ينمي شخصيته ويصقلها؛ حيث إن الولد كلما كان غنيا بذاته، مقتنعا بمهاراته وقدراته، كان أكثر إبداعا وعطاء، وثقة في نفسه.
٥. يقوي ذاكرته، ويثري تجربته، ويحرك تفكيره وعقله (١).
٦. يريحه نفسيا من الحصر النفسي الذي يعاني منه بسبب صمته احتراما لوالديه، والذي قد يؤدي إلى الوسواس القهري، أو الانفصام.
٧. يخفف الحوار من الصراعات الداخلية، والمشاعر العدائية.
٨. يتيح الفرصة أمام الوالدين لتنكشف نفس الولد أمامهما، فيجيد التعامل معه.
٩. يكسر حاجز الخوف والخجل، والقدرة على بناء العلاقات الاجتماعية؛ ومن المعلوم أن كثيرا من أولادنا يعانون من الرهاب الاجتماعي، الذي يعرقل بناء مستقبلهم.
_________
(١) بتصرف وإضافة: مشكلات سلوكية في حياة طفلك، للأستاذ محمد رشيد العويد، دار ابن حزم ودار حواء - ١٤١٥هـ، ص: ٤١.
1 / 31
١٠. ينمي علاقة ودودة بين الأولاد والآباء.
١١. يمنحه القدرة على حل المشكلات الخاصة به.
١٢. يتحرر من بعض العادات والتقاليد السيئة.
وكل حوار يؤدي إلى واحدة من نتائج ثلاث:
١. الخلاف؛ حين يكون الوالد أنانيا معتدا برأيه، غير مدرك لشخصية ابنه.
٢. التحاشي والانسحاب، وربما الهروب؛ حينما يكون الوالد متسلطا عنيفا.
٣. التقارب والانسجام؛ حين يكون الوالد محبوبا، خلوقا، يعترف بحق ولده في إبداء الرأي والتعبير عن مشاعره وآرائه بحرية وأدب.
وهكذا فكل نتيجة ستكون وليدة الأسلوب الذي قام عليه الاتصال.
1 / 32
خامسًا: الإعداد النفسي للحوار مع الأولاد
يحتاج الإنسان - بشكل عام - إلى مداراة ومداخل؛ للنفاد إلى نفسه، والتأثير فيها، وهو هدف التواصل أصلا.
وفيما يلي عدد من وسائل التهيئة النفسية لمحاورة الولد:
أولا: النداء الرقيق:
١. بإضافته إلى الوالد: يا بني.
يقول الله ﷿ على لسان لقمان الحكيم؛ وهو يعظ ولده: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [سورة لقمان ٣١/ ١٧].
٢. بنداء عاطفي حميم: يا حبيبي .. تعال معي لنتناول الغداء.
٣. بالتكنية: يا أبا فلان.
يقول أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: "إن كان النبي ﷺ ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير" (١).
٤. باسمه مكبرا لا مصغرا: يا محمد .. وليس: (يا حميد) مثلا ..
ثم يبدأ الحديث بإظهار مشاعر ودية؛ فإن إظهار الحب والتعاطف يساعد الولد على نموه النفسي؛ ويمكن الوالد أن يستخدم كلمات دالة على ذلك في بدء حديثه، ويظهر بشاشة خلال اللقاء به، وأن يأخذ بيده أو يضعها يدك على كتفه.
"عندما تكون الكلمات مضمخة بمشاعرنا الحقيقية المتعاطفة، حينئذ تنفذ مباشرة إلى قلب الولد" (٢).
_________
(١) صحيح البخاري كتاب الأدب باب الانبساط إلى الناس ح (٥٧٧٨).
(٢) كيف تتحدث فيصغي الصغار إليك، وتصغي إليهم عندما يتحدثون، لأديل فابر، وإيلين مازلش، تعريب فاطمة عصام صبري، مكتبة العبيكان، ١٤٢٣هـ ٢٠٠٢م: ٤٠.
1 / 35