السبت 15 يونيو
هبت علينا عاصفة ترابية شديدة وعانينا حرا هائلا. وصلنا القاهرة في حالة مزرية. كان الجرحى والمرضى والجنود بدون ملابس ودون مهمات، ويعانون من الزحار والطاعون.
وصلنا العادلية. وترك الجيش عددا كبيرا من المرضى والجرحى بها. ثم واصلنا السير. وأخذت بولين تلح على فكري.
دخلنا المدينة من باب النصر، ومضينا في طريق مفروش بسعف النخل. وحمل كل جندي سعفة مثبتة في قبعته. ونصب بونابرته قامته فوق جواده واضعا يده في خاصرته. وصحبنا أعضاء الديوان والحامية الفرنساوية إلى ميدان الأزبكية على أنغام الموسيقى. وحضر الحكام والقلقات بمواكب وطبول وزمور ونوبات تركية وطبول شامية، ونشرت الغنائم من بيارق العدو واكتظت الشوارع بجموع كثيرة. كنت أسير إلى جوار هوية، فقال لي بمرارة: إن الأهالي تواقون لمعرفة عدد من بقي منا على قيد الحياة.
بلغنا الأزبكية في نحو خمس ساعات من النهار.
اتجهت مباشرة إلى البيت فاستقبلني جعفر وبقية الخدم في حرارة. ولم أجد الشيخ الجبرتي الذي كان من جملة مستقبلي بونابرته. ذهبت إلى الحمام العمومي ثم أكلت. وكانوا قد أعدوا طبيخا ولحما، بامية وباذنجان ثم بطيخ. وعرفت أن سعره بلغ خمس بارات للبطيخة بعد أن كانت بثلاث. وعاد أستاذي بعد قليل. فرحب بي ودمعت عيناه. ثم اتخذنا أماكننا في مجلس العقد. وانضم إلينا خليل عند عودته من وكالة بولاق.
رويت له كل ما صدف لي من وقائع. وكان قد أخرج ريشته ومحبرته وأوراقه. ولاحظت أنه لم يدون إلا القليل مما رويته له. وبدا لي مهموما بدرجة على غير العادة وهو ينش الذباب بمذبة من ذيل الجياد.
عندما انفردت بنفسي في غرفتي تأكدت من وجود أوراقي في قاع الصندوق.
الأحد 16 يونيو
نمت لأول مرة أمس نوما عميقا مطمئنا وأنا لا أصدق بعودتي سالما. واستيقظت قرب الظهر. لم يخرج أستاذي إلى درسه بالجامع الأزهر وقضينا العصر في الحديث. وأراني ورقة طبعها الفرنساوية أثناء وجودنا في الشام وضحكنا سويا على عبارة بها تقول: «إننا نلزم الرعايا من أهل مصر والأرياف أن يلزموا الأدب والإنصاف، ويتركوا الكذب والخراف؛ فإن كلام الحشاشين يوقع الضرر للناس المعتبرين.»
Halaman tidak diketahui