ذهبت في المساء إلى المسجد مع عبد الظاهر. كان هناك خلق كثير وافترش البعض الطريق يقرءون القرآن ويتناولون الأطعمة.
خلعنا أحذيتنا وولجنا المسجد. وقفنا تحت القبة الشريفة أمام الضريح الشريف الذي تعلوه مقصورة من النحاس الأصفر وفوق الضريح تابوت من الآبنوس المطعم بالصدف والفضة مكسو بالحرير الأحمر المزركش. تفرجنا على العيسوية وهم جماعة من المغاربة. وكانوا يقفون قبالة بعضهم صفين ويقولون كلاما معوجا منغما بلغتهم وهم يضربون على الطبول والدفوف ضربا شديدا ثم يضعون أكتافهم في أكتاف بعض، لا يخرج واحد عن الآخر، ويلتوون وينتصبون ويرتفعون وينخفضون ويضربون الأرض بأرجلهم، كل ذلك مع الحركة العنيفة والقوة الزائدة.
صار بالمسجد دوي عظيم من هؤلاء ومن غيرهم من جمع العوام والسوقة من أهل الحرف السافلة الذين تجمعوا للحديث واللغط والأضاحيك والتلفت إلى حسان الغلمان والسعي خلفهم. وطاف الباعة بالمأكولات وخلفهم سقاة الماء فامتلأت ساحة المسجد بقشور اللب والمكسرات وبقايا المأكولات.
غادرنا المسجد ووقفنا نتفرج على رجل يلعب بالعرائس. جاء وقوفنا خلف المسرح الخشبي الصغير. ورأينا الرجل منحنيا على فتحات صغيرة في ستارة أمامه يرى منها المتفرجين دون أن يروه. وكان يمرر العرائس عن طريق فتحات أخرى فيجعلها تؤدي الحركات التي يريدها بخيوط يحركها، ويغير صوته بأداة صغيرة يضعها في فمه فيجعله بالغ الرقة مصحوبا بأنغام الناي، وأخذت العرائس تتشاجر والمتفرجون يضحكون.
الأحد 13 يناير
زارنا الشيخ حسن العطار صديق أستاذي في المساء. كان يصغره بعشر سنوات لكن تربط بينهما علاقة حميمة. وقال: إن الناس تتحدث عن ذهاب عساكر إلى العريش استعدادا لسفر بونابرته جهة الشام. وقال: إن هذه الحملة ستكون مهلكته. وتلا علينا آخر قصائده وبها هذان البيتين:
إن الفرنسيس قد ضاعت دراهمهم
في مصرنا بين حمار وخمار
وعن قريب لهم في الشام مهلكة
يضيع فيها لهم آجال أعمار
Halaman tidak diketahui