لاحظت علامات الضيق على وجهي، فقالت بسرعة : تعرف أجمل شيء رأيته في الإسكندرية؟ عمود السواري ومسلة كليوبترا التي نجحت بدهائها وجمالها في إيقاع أنطونيو في حبائلها وتزوجته، وجلست على عرش من الذهب.
لم يفلح حديثها عن كليوبترا في إزالة غضبي من طريقة كلامها عن مصر. فانكببت على عملي. وقامت هي بعد قليل فغادرت القاعة، وعادت حاملة كوبا من الشوكولاتة قدمته إلي.
شكرتها وشربته، ووجدته لذيذا. كانت تواقة للكلام، فلم تلبث أن استرسلت في الحديث عن رحلة الجيش من الإسكندرية إلى القاهرة: الجراية الوحيدة للجميع لم تتعد البقسماط الجاف. وعانينا من العطش، وكوت الرمال أقدامنا. مئات جنوا وقتلوا أنفسهم بالرصاص. كان البعض يحتضرون ظمأ ويتوسلون لشربة ماء. ومات عند الآبار من الاختناق أو تحت الأقدام ثلاثون جنديا. ثم تحسنت الأحوال عندما اقتربنا من القاهرة؛ فقد اكتشفنا الشمام، لكن الكثيرين أصيبوا بالإسهال من أكله. وعندما رفضت قرية إمدادنا بالطعام ذبحنا 900 رجل وامرأة وطفل، وأحرقنا القرية ليكونوا عبرة للشعب الهمجي.
هذه المرة أدركت خطأها على الفور؛ فوضعت يدها فوق يدي معتذرة. ثم استطردت: كان مشهد المماليك المقاتلين في إنبابة خلابا؛ كانوا يرتدون ملابس فخمة ويحملون معهم ممتلكاتهم. ووجد زوجي في عمامة أحدهم بعد مصرعه خمسمائة قطعة ذهبية.
وقالت إن بعض الجنود وقعوا أسرى لدى البدو، ثم تحدثوا بعد إطلاق سراحهم عما تعرضوا له من معاملة رهيبة واعتداء على شرفهم. وضحكت قائلة: إنهم تقبلوا هذه الاعتداءات فيما بعد على أنها من الأخطار التي يتعرض لها المحاربون في بلاد الشرق. لكن البعض فضلوا أن يقتلوا على أن يتعرضوا لهذه المهانة.
وقالت إن بونابرته انتقد هذا الإسراف في الفضيلة، وقال لأسير منخرط في البكاء: علام تبكي؟ أهذا كل ما تثير حوله الضجة أيها الغبي؟
سألتها عن معيشتها، فقالت إنها تعاني من الذباب والبعوض والعرق، وتهرش طول الليل، ثم تنهض في الصباح عليلة كئيبة عاجزة عن الحركة.
عند الظهر رأيت زوجها لأول مرة؛ فقد جاء وصحبها إلى مقر إقامتهما في الطابق الأعلى. كان وسيما ممشوق القامة. ولم تعد بعدها.
الخميس 6 ديسمبر
أعطتني عودا من الخشب يبرز منه عمود رفيع من الرصاص. قالت إنه من اختراع كونتيه أحد علماء الحملة. سألتها: عبقري آخر؟ قالت: إن في استطاعته أن يصنع من أبسط المواد ما تدعو إليه الضرورة من أدوات.
Halaman tidak diketahui