غادرت الجامع ومضيت إلى خان الخليلي. لمحت زحاما حول عدة جنود فرنساوية، كانوا بغير سلاح. اقتربت منهم في تردد. كانوا يرتدون سراويل مقمطة للغاية، وقلنسوات تشبه زنابيل الأرز، وشعورهم مرسلة فوق الجبهة وحول الرأس ومعقودة من الخلف بأنشوطة.
رأيتهم يضاحكون الناس، وكان أحدهم يبغي شراء دجاجة، تطوعت لمساعدته في التفاهم مع البائع باللغة التي تعلمتها عند التاجر الفرنسي. ولم تكن هناك حاجة لمساعدتي فقد أخذ الجندي الدجاجة وأعطى البائع ريال فرانسة؛ أي مائة بارة، بينما سعرها لا يتجاوز العشرين. وتكفي عشر بارات لمصروف بيت في اليوم من اللحم والخضار. وهو نفس المبلغ الذي يتقاضاه أستاذي في اليوم عن التدريس.
ألقى إلي الجندي بقطعة فضية من 40 بارة فدسستها في ملابسي.
عندما عدت وجدت الخادم صالح يشكو من عينه؛ فأرسلت جعفر ليشتري بذور الششم لنطحنها ونضع منها ضمادة فوق العين الملتهبة.
السبت 28 يوليو
اقتحم جعفر حجرتي منفعلا. قال إن الفرنساوية يفتحون بيوت الأمراء المغلقة، ويسكنون بعضها أو يتركونها بعد أن يجردوها من أثمن ما فيها. وقال إن الناس تحمي نفسها بأن تأخذ منهم ورقة تلصقها على دورها. وطلب مني أن أسعى في الحصول على هذه الورقة. أوشكت أن أقترح ترك الأمر للشيخ عند عودته، ثم تبينت الفرصة السانحة للتجوال في المدينة.
ارتديت قميصي على الفور، ووضعت خفا في قدمي، وطلبت من السائس أن يحضر لي الحمار. اعترض جعفر قائلا: إني لن أضطر للذهاب بعيدا؛ فقد عين الفرنساوية النصراني اليوناني برطلمين في وظيفة كتخدا مستحفظان مسئولا عن الأمن والنظام بالمدينة، ويتبعه حراس لهم مراكز في الأحياء. وكان برطلمين هذا من حرس محمد بك الألفي في السابق، وله حانوت بالموسكي يبيع فيه القوارير الزجاجية.
غادرت البيت وخرجت إلى الغورية. واصلت طريقي بحثا عن المراكز التي تحدث عنها جعفر. رأيت واحدا فذهبت إليه وأعربت عن مرادي. فقال لي العسكري في غلظة: إن صاحب البيت هو الذي يحضر ومعه ما يثبت ملكيته.
مضيت إلى الفحامين ووقفت أتفرج على جماعة من الفرنساوية فوق الحمير. كانوا يصخبون في مرح وبينهم فتاة شقراء جميلة. تبعتهم حتى توقفوا أمام أحد البيوت. فترجلوا تاركين حميرهم مع المكارية. ولجوا البيت فاقتربت منه. كان الباب مفتوحا ورأيت في الداخل عدة دكك مرتفعة من الخشب حولها مقاعد يجلس الفرنساوية حولها. ورأيت فراشا يضع أمامهم أطباقا من الطعام.
سألت أحد المكارية المنتظرين عن هذا البيت، فقال إنه للأكل، وقد افتتحه أحد أولاد البلد من الإفرنج يصنع فيه أنواع الأطعمة والأشربة المستساغة لدى الفرنساوية؛ فيشتري الأغنام والدجاج والخضراوات والأسماك والعسل والسكر وجميع اللوازم ويطبخها، ثم يقدمها لمن يشاء مقابل قدر من الدراهم.
Halaman tidak diketahui