القامة:
ومن الناس من تنظر إلى قامته فترى ظهره ملويا كالحية في انسيابها، فصاحب هذا الظهر خداع عديم الأمانة، يعيش بين الناس بمداخلته وكلامه وظرفه، ويتمكن في الغالب من اكتساب ميل معارفه إليه، وكأن عينيه فت فيهما حصرم فلا تزالان تطرفان.
وهنالك صنف آخر، والمثال عليه رجل عريض المنكبين كثير الضجيج، يقف ورجلاه مبتعدتان، يشير بعصاه إلى الأشباح والأجسام، وإذا لقيته فلا يبقى في ذهنك من أطواره وظواهره سوى صوته وكثرة ضجيجه، ويغلب في ظهره أن يكون عريضا، ومع ما يبدو به من أمارات العنفوان والعزة فإنه قريب الألفة كثير الاهتمام بالطعام.
ولطول القامة وقصرها دخل كبير في الدلالة على أخلاق الناس ومواهبهم، ويسهل عليك تعليل ذلك من مراجعة «فراسة الأمزجة»، فقد رأيت هناك أن طول القامة من دلالات المزاج العضلي، وصاحبه قوي في كل شيء، وخصوصا إذا رافق الطول عرض، وهو مزاج الأبطال، وبعكس ذلك قصر القامة؛ فإنه دليل الضعف، ولكن بعض القصار تكون أدمغتهم كبيرة، ويزيدها كبرا انتسابها إلى بقية أجسامهم؛ لأننا إنما نعتبر حجم الدماغ بالنسبة إلى بقية الأعضاء، فإذا جاءنا رجلان أحدهما طويل والآخر قصير وكان دماغهما بحجم واحد ووزن واحد فنعد دماغ القصير أكبر، فيظهر الذكاء فيه أكثر مما في ذاك.
ومن الأمثلة المشهورة قولهم «كل قصير فتنة»؛ أي إن القصار أهل مكر وحيلة ، وربما كان الأصل في ذلك ضعف قصار القامة بالنسبة إلى كبارها، وسلاح الضعيف الحيلة، فغلب في القصار التحيل، وطول القامة صفة محبوبة عند العرب، ويوصف أصحابها بالعزم والبطش والجاه، ومن ذلك قول بعضهم:
أشم طويل الساعدين شمردل
إذا لم يرح للمجد أصبح غاديا
وبعكس ذلك قصر القامة، ويعبرون عنه بالقماءة، ويراد بها القصر والصغر، وهي من العيوب المشهورة، قال جواش:
وأورثهم شر التراث أبوهم
قماءة جسم والرواء ذميم
Halaman tidak diketahui