يظهر من ملاحظة أحوال الطبيعة أن ما كان من الحيوان ضعيفا سقيم الطبع يكون ذا عنق طويل، فالزرافة والنعامة مثلا قد خصتا بطول العنق؛ لما تحتاجان إليه من بعد النظر، لسلامتهما من الآفات، ومن المعلوم أنهما يشتركان والطيور الطويلة الأعناق في الجبن والضعف مع اللطف.
والأرانب بما هي عليه من الجبن قد خصت بطول الآذان وبعد النظر وظل عنقها قصيرا، لأنها لا تأوي السهول بل تخلد إلى مهاوي الأرض وثقوبها؛ ولذا لم تكن في حاجة إلى بعد النظر فلم تكن حادته، على أن حاسة السمع فيها بالغة حدا عظيما لحاجتها إليه، فترى آذانها مستطيلة غضفاء.
قابل هذه بالشجاع القوي من الحيوان، كالجاموس والأسد والثور، فتراها قصيرة الأعناق غليظتها، ومن الحكمة البالغة أن القوي من الحيوان ليس بالسريع الجري لكي يستطيع الضعيف النجاة من مخالبه، فالقوي بطيء الحركات والضعيف سريع الخطو.
فالجبن واللطف والضعف مقرونة بطول العنق ودقته، والقوة والقسوة والثبات ملازمة قصير العنق وغليظه، وبين هذين الطرفين أشكال وأحوال مختلفة.
وينطبق هذا الناموس على البشر أيضا، فالعنق القصير الغليظ في الرجل دليل القوة والشجاعة والصبر على المكاره، وكل رجال القوة البدنية وأهل الجلاد والحرب غلاظ الرقاب. وغلظ الرقبة يدل على سعة الصدر وقوة البدن كما في الشكل
59 .
شكل 59: السلطان عثمان الغازي.
وأما الرقاب الدقيقة فأصحابها نحاف لطاف مع جبن، وهي أكثر في النساء مما في الرجال، والفرق بين الجنسين مشهور، والعرب تشبه العنق الطويل بعنق الظباء ويعدونه من دلائل الجمال، كقول بعضهم:
والجيد منها جيد جؤذرة
يعطو إذا ما طاله المرد
Halaman tidak diketahui