Ilmu Adab Jiwa
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genre-genre
وأما الشريعة الأدبية فليست أمرية هكذا؛ لأنها سجية داخلية مندمجة في الشخصية الإنسانية الكاملة، وهي حتمية ما دامت الذاتية محافظة على إنسانيتها وكمالها؛ أي إن حفظ السنة الأدبية أو المحافظة عليها سجية في الشخصية الإنسانية، فهي إذن أمر لا بد منه لقيام الشخصية الإنسانية، وهي طوعية؛ أي اختيارية؛ بمعنى أن المرء حر في أن يحتفظ بشخصيته الإنسانية الكاملة فيتمشى على السنة الأدبية حتما، أو أن ينبذ شخصيته الإنسانية ويقتصر على ذاتيته الحيوانية المسيرة بقوة الغرائز والشهوات فقط من غير تقيد بالشرائع.
كذلك تختلف السنة الأدبية عن السنتين الدينية والمدنية بكونها لا تعرض عقوبة لمخالفتها؛ لأنها ليست أمرية كما تقدم بيانه، وإنما العقوبة تجلبها المخالفة نفسها معها. فكل خطيئة تجلب عقابها. وهذا يستلزم زيادة إيضاح أيضا.
إن ذا الشخصية الإنسانية الكاملة يتمشى على الشريعة الأدبية لا تحاميا للعقاب، بل لأن هذه الشريعة سجية فيه، وإرضاء هذه السجية غايته الحسنى، وسعادته قائمة ببلوغه إلى هذه الغاية وإرضائه هذه السجية، فإذا خالف السنة الأدبية فقد بالطبع هذه الغاية، وانثلمت شخصيته الإنسانية الكاملة، وكان فقد الغاية وانثلام كمال الشخصية كعقوبة له؛ فترى أن العقوبة جاءت عن يد الخطيئة لا عن يد السنة الأدبية؛ لأن هذه السنة ليست أمرية كالشرائع الدينية والمدنية لتكون مقرونة بالوعد والوعيد، بل هي عنصر طبيعي محتوم وجوده في الشخصية الإنسانية، وبدون وجوده فيها لا تكون الشخصية إنسانية، بل تكون حيوانية فقط. (1-7) سنة «لا بد»
فترى مما تقدم أن السنة الأدبية مصوغة بقالب «لا بد»، وأما الشريعة المدنية والدينية فمصوغة بقالب «يجب»؛ فالشريعة تقول: «يجب أن تفعل كذا أو لا تفعل كذا وإلا عوقبت، وليس لك أن تناقش فيما إذا كان هذا حقا أو صوابا.»
وأما السنة الأدبية فتقول لك: «لا بد أن تفعل كذا إذا كنت محتفظا بشخصيتك الإنسانية الكاملة؛ فإن لم تفعل فقدت شخصيتك هذه.»
إذن الواجب الشرعي أمر مفروض على الإنسان، وأما الواجب الأدبي فشيء لا بد منه في طبيعة الإنسان، فإذا عنينا بالواجب والحق كسنة أدبية كنا نعني به أمرا لا بد منه لقوام الشخصية، وإذا عنينا به كشريعة مدنية أو دينية كنا نعني به واجبا مفروضا على الإنسان. (1-8) السنة الأدبية مثل أعلى
ربما لاح في بال القارئ بعد هذا الشرح هذا الاعتراض: إن السواد الأعظم من الناس يريدون أن يكونوا ذوي شخصية إنسانية كاملة، ويودون التمشي على سنة الحق والواجب احتفاظا بشخصيتهم هذه، ولكنهم لاختلاف في عقليتهم وذكائهم وظروفهم قد يختلفون في فهم الحق والصواب. إذن يمكن أن لا تكون السنة الأدبية «سنة الحق والواجب» عامة وثابتة، وأن يختلف الحق والواجب عند الناس والأقوام .
هذا حقيقي، قد يختلف الناس والأقوام في فهم الحق؛ ولذلك قد يتراءى لنا أن الحق ليس واحدا، ولكن مما لا ريب فيه أن جميع الناس المتعقلين وجميع الأمم الراقية متفقون على أن للإنسانية سنة أدبية واحدة ثابتة عامة غير متغيرة؛ هي سنة الحق والواجب، وجميعهم متفقون على أن الحق واحد لا يختلف فيه اثنان؛ أي إنه كالأوليات الرياضية، وإنما إذا اختلفوا في تحديد الحق والواجب فلأن جانبا منهم منثلمو الشخصية الإنسانية الكاملة التي أشرنا إليها آنفا - وقد تمثلت في تضاعيف أبحاثنا الآنفة والآتية شخصية ذكية عارفة متعلقة فطنة فاضلة - أو لم يستطيعوا أن يتمشوا على السنة الأدبية؛ فضلوا السبيل عن الحق والواجب، وادعاه كل منهم كما شاءه لا كما هو. (1-9) السنة الأدبية تكمل الشخصية
فالحق والواجب مثل أعلى يسعى إليه لا وصية تطاع أو تعصى. وما دمت تسعى إلى هذا المثل الأعلى فأنت تمشي على السنة الأدبية؛ سنة الحق والواجب، وأنت محتفظ بشخصيتك الكاملة، فإن أسأت فهم الحق والواجب وأنت حسن الإرادة والقصد، فلا تفقد شخصيتك الإنسانية الكاملة؛ لأنك لا تلبث أن تشعر بانثلامها عند ظهور الخطأ، ومتى ظهر لك الخطأ لا تلبث أن تصححه توخيا لسلامة شخصيتك.
لا بدع أن نضل السبيل عن الحق والواجب لجهل أو لضعف، ولكننا ما دمنا مصرين على السعي إلى المثل الأعلى فنحن في سبيلنا إلى محجة الحق والواجب، ولا بد أن نصل.
Halaman tidak diketahui