Ilmu Adab Jiwa
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genre-genre
ولكن ليست كل الشرائع ضامنة للحق والصواب؛ ففي كل زمان ومكان يكتشف العقل البشري أغلاطا في الشرائع يضطرب فيها ميزان الحق والصواب، فهل للضمير أن يخضع لهذه الشرائع إذا لم يكن مكرها على الخضوع لها؟ نقول مكرها؛ لأنه في حالة الإكراه يبطل عمل الإرادة؛ وبالتالي لا يعود السلوك ضمن دائرة الآداب؛ لأن السلوك لا يعد أدبيا إلا إذا كان مرادا كما علمت.
كان الصيدونيون يقدمون أطفالهم محرقات على ذراعي تمثال مولوك النحاسي وهو حام كالنار. ونحن نستفظع الآن هذا العمل، فهل كان ضمير الصيدونيين صالحا في ذاك الحين؟ كان صالحا عندهم؛ لأنهم كانوا ينفذون شريعة إلههم الدينية، ولكنه كان شريرا في نظر الإسرائيليين معاصريهم؛ لأن هؤلاء كانوا يعتقدون بألوهية يهوه فقط، وهو شجب هذه الشريعة.
ولا بد أنه كان بين الصيدونيين أفراد كثيرون أو قليلون أسمى عقلا من العامة يفهمون أن مولوك ليس إلها حقيقيا، وإلا لما كان يسن هذه الشريعة الفظيعة؛ لأن الوجدان السليم من شوائب الخرافات يستفظعها، فهؤلاء ينهاهم الضمير عن طاعة هذه الشريعة، وإن أطاعوها أنبهم. (1-5) الضمير منقح الشريعة
وفي التاريخ كثير من الشرائع الدينية التي يستنكرها العقل الآن؛ كشريعة وأد البنات، ودفن الزوجة حية مع زوجها الميت، كذلك في التاريخ شرائع مدنية لا يعتدل فيها ميزان الحق؛ كالنخاسة، والعبودية، والحكم الفردي المطلق، ونفي الحرية الدينية، واستعباد النساء إلخ.
فالضمير المستسلم للشرائع لاعتقاد أنها منزلة، أو أنها إرادة الحاكم المقدسة يعد ضعيفا؛ ولذلك لا يحفل بحكمه وهي - أي الشرائع - مسيطرة عليه، فالشريعة مهما تراءت حسنة فإنما هي محتملة الشك في كونها حقا أو باطلا، أو عدلا أو ظلما؛ ولذلك يبقى للضمير السليم القوي مجال للحكم في صوابها وخطئها؛ لأن الضمير بالحقيقة ليس إلا قوة التعقل، وقد أضيفت إليه قوة الإرادة الآمرة بفعل الصواب والحق؛ فعليه أن ينقح الشريعة لكي تقرب إلى المثل الأعلى. والمثل الأعلى في الشرائع هو أن تكون الشريعة ميزان الحق والعدل بين أفراد الجماعة على التساوي.
فالضمير في كل قضية تعرض عليه ينصب هذا الميزان، فحيث يجد الشريعة منصفة بين الأفراد، ولا تسوغ أرجحية لواحد على آخر أجازها وأمر باتباعها، وحيث وجد أنها مجحفة بأناس ومتحيزة لآخرين إذن بعصيانها، اللهم إلا إذا كان عصيانها يسبب فوضى الجماعة - والفوضى تئول إلى شر أفظع من شر طاعتها - فحينئذ يجيزها تحاميا للشر الأعظم؛ فهو يبتغي الخير الأعظم متى تضاربت المقاصد. فالسلام العام أهم وأفضل من سلامة الفرد أو الأفراد من الغبن والإجحاف.
الاشتراكيون المعتدلون يرون أن النظام الإفرادي الحالي مجحف بالعمال، وممكن للمتمولين من استثمار أتعاب أولئك؛ ولذلك يسوغ لهم ضميرهم قلب هذا النظام واسترداد تلك الحقوق المغصوبة بواسطة نظامهم الذي هيئوه، معتقدين أنه أضمن لحقوق الأفراد عموما، ولكنهم لا يحاولون قلب هذا النظام بثورة؛ لئلا يكون شر الثورة أعظم من شر النظام الحالي، وضميرهم يقول لهم: إن السلام العام أعظم من سلامة العمال من غبن المتمولين لهم، وقلب النظام بالطريقة الانتخابية أفضل عاقبة من الثورة. (1-6) تأثير التقاليد والعادات على الضمير
وهناك عوامل أخرى تؤثر على الضمير في إصدار الحكم وهو يستند إليها أو يستمد الحقيقة منها، وهي: التقاليد والعادات غير المقررة كشرائع دينية أو أدبية، بيد أنها تكون رأيا اجتماعيا. والرأي الاجتماعي لا يعد رأيا عاما مطلقا؛ لأن الرأي العام المطلق غير موجود، بدليل وجود الأحزاب المختلفة في الرأي؛ ولذلك يوجد مجال لحكم الضمير، لأنه لو كان الرأي عاما مطلقا كان كشريعة فيضعف الضمير بإزائه، وكان للرأي العام سلطة عليه فقلما يطمئن لمخالفته.
فحين يقدم المرء على فعل يتساءل الضمير: هل هذا الفعل مطابق لعادات الجماعة وتقاليدها؟ هل إذا حدث هذا الفعل يستنكره الجمهور أو يستحسنه؟ فإن لم يكن الضمير مستسلما للرأي العام؛ أي إذا كان قويا، تساءل على نحو آخر: هل هذا الفعل يضر الجماعة أو لا يضرها؟ هل يوافق مصلحتها أو ينافيها؟
وقد يكون التقليد أو العادة مخالفا للحق، فإذا كان الفعل المخالف لتقليد الجماعة مخالفا للحق كان له حكمان؛ الأول: أنه يستوجب استنكار الجماعة له، وشجبهم فاعله، والثاني: أنه موافق لمصلحة الفرد والجماعة معا. فأي الحكمين يقضي الضمير؟ مثال ذلك أنك ترغب أن تلبس البرنيطة وقومك يلبسون الطربوش، فإن لبستها هزءوا بك، ولكنك تعتقد أن البرنيطة أفضل من الطربوش؛ فكيف تحكم أن البرنيطة أفضل من الطربوش؟ (1-7) التعقل مستشار الضمير
Halaman tidak diketahui