Ilmu Adab Jiwa
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genre-genre
فالحيوان مشته للطعام، والإنسان راغب فيه، الحيوان يشتهي الطعام حين يجوع، وتهيج شهوته له حين يحضر لديه، ومتى كان شبعانا لا يفهم معنى الجوع ولا يشتهي الطعام. وأما الإنسان فسواء كان جائعا أو شبعان، وسواء كان الطعام حاضرا أو غائبا، فهو راغب في السعي إلى الطعام لادخاره إلى حين الجوع؛ لأنه يفهم الجوع ولو كان شبعان، ويفهم الطعام ولو كان غائبا عنه؛ ولذلك يرغب وإن لم يكن محتاجا في الحال.
الرغبة لأجل اللذة
أظن أنه قد اتضح لك جيدا الفرق بين شهوة الحيوان ورغبة الإنسان. بقي أن تفهم أيضا الفرق بين الرغبة والشهوة في الإنسان وحده، فلا يخفى عليك أن أعظم عنصر في الوجدان - أي إدراك الإنسان أنه مدرك - أو بعبارة أخرى في التعقل، هو الشعور باللذة والألم؛ فالإنسان لا يطلب الطعام لأجل الطعام نفسه، بل لأجل ما يشعر به من اللذة في الشبع.
فهو يدرك معنى اللذة كما يدرك معنى الطعام: فحين يشتهي الطعام يقصد اللذة، وحين يمتنع عن الطعام لغرض يفهم أنه يعاني ألم الجوع، ولكنه يدرك أن غرضه من الصوم يفضي به إلى لذة أعظم من لذة الشبع. فالشهوة ترمي إلى اللذة المباشرة، والرغبة ترمي إلى اللذة البعيدة والمباشرة أيضا.
الرغبة في الأمر الحسن
فالرغبة في شيء لا ترمي فقط إلى التمتع بذلك الشيء، بل إلى ما يؤدي إليه من اللذة إذا لم يكن هو بنفسه لذيذا. وما يؤدي إلى لذة نعده حسنا. فالرغبة ترمي إذن إلى الشيء الحسن: فإذا كان الصوم في نظر المرء حسنا رغب فيه. وفي الحسن نفسه لذة للراغب فيه. يرغب المرء في السعي لأجل الرزق حتى في حالة الشبع، وفي حالة عدم الحاجة إليه، وإنما هو يسعى إليه كغاية حسنة؛ وهي ادخاره.
وبهذا المعنى يختلف الإنسان عن الحيوان، وبه يختلف الإنسان الراقي عن الهمجي، والعاقل عن الجاهل، والكريم عن البخيل؛ فلكل من هؤلاء شهوة ورغبة تختلفان عند الواحد عنهما عند الآخر: الهمجي لا يسعى إلى الطعام إلا لأنه يجوع، فإذا شبع كسل عن العمل، والمتمدن يسعى إلى الثروة لا لأنه يخاف الجوع، بل لأنه يبتغي التأنق؛ ولذلك يستمر في كدحه وكده ولو كان شبعان.
وذاك يسعى لأنه يبتغي لذة الشبع، فمتى شبع لا يكلف نفسه عناء، وهذا يسعى لأنه لا يكتفي بما حصل، بل يطلب مزيدا، ويجد لذة في الحصول على المزيد وإن كان لا يخاف ألم الجوع؛ لأن الطعام ميسور، فالمزيد من الرزق أمر حسن في نظره.
نسبة الرغبة إلى الإرادة
هنا بلغنا إلى نسبة الرغبة إلى الإرادة وبيان الفرق بينهما: في الرغبة ميل للفعل، ولكنها لا تتكفل بالفعل؛ بل تقف عند هذا الميل وتترك الأمر للإرادة. الإرادة تأمر بالفعل أو لا تأمر. يمكنك أن ترغب في شيء، ويمكن أن تشتهي شيئا، ولكنك قد لا تريد أن تقدم عليه: ترغب أن تشرب كأسا من الخمرة ولكنك لا تريد لأنك تكره أذاها، ترغب في قتل فلان ولكنك لا تريد أن تقتله بنفسك، تود أن يقتله أحد غيرك، تشتهي مال جارك ولكنك لا تريد أن تغتصبه، ترغب في معروف من صديقك ولكنك لا تريد أن تسأله إياه.
Halaman tidak diketahui