Ilmu Adab Jiwa
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genre-genre
هذا هو معنى التطور الارتقائي كما شرحه سبنسر ومثل عليه في جميع عوالم المادة والحياة والعقل والاجتماع وأدب النفس أيضا. وسنة هذا التطور هي كما بسطها دارون واستخلصها في خمس عبارات: «الانتخاب الطبيعي» كنتيجة «لتنازع البقاء» «وبقاء الأصلح» «والوراثة الطبيعية» «ومصاقبة الحي للبيئة». والارتقاء الأدبي الذي نحن بصدده يتمشى على هذه السنة بالمعنى الذي تقدم بيانه. (1-5) العبقرية تنشئ تجديدا في العناصر
ولا يخفى عليك أن القوة الأدبية هي أهم عامل من عوامل التطور الاجتماعي؛ فلا يخطو الاجتماع خطوة في تطوره الاجتماعي إلا لأن مبدأ جديدا أو نموذجا للحياة جديدا نشأ في العقل الاجتماعي، فأحدث في المجتمع تطورا جديدا، فإن كان هذا المبدأ صالحا لحياة المجتمع ولنموه، وكان يزيده تكتلا ومتانة، ويوثق ارتباط أجزائه بعضها ببعض، تمكن فيه، واضطر النظام الموافق له أن يتعدل ويتنقح بمقتضاه، واضطر الأفراد أن يتعودوا السلوك بموجبه: يضطرهم لذلك بما يغريهم به من جودة فوائده لهم. وإن كان غير صالح لحياة المجتمع، ولا هو مفض إلى نموه أحدث اضطرابا في المجتمع، كما يحدث التسمم المكروبي اضطرابا في الجسم، وبعد حين يتقيؤه جسم المجتمع أو يتغوطه، أو يفرزه ويتطهر منه.
ينشأ المبدأ أو النموذج الجديد في الحياة من العبقرية التي ينجبها المجتمع نفسه في دائرة من دوائره الحيوية، مثال ذلك: أن العبقري الصناعي غوتمرغ اخترع الطباعة؛ فسهل نشر المعارف، واتفق أن الكتاب المقدس كان محجوبا عن الجمهور في ذلك الحين ، ومحصورا في دائرة الإكليروس، وكان البحث في العقيدة الدينية محظورا على العلمانيين، فكان عليهم أن يقبلوا قانون الإيمان كما سنته الكنيسة بلا اعتراض.
وقام حينئذ العبقري المصلح لوتيروس بمبدأ الحرية الدينية، واستخدم نظام النشر الجديد؛ أي الطباعة، لنشر مبدئه، ونشر التوراة والإنجيل؛ فوقع النزاع بين الاستعباد والاستقلال الفكريين، وأخيرا نجح الثاني، فهنا تعاون نظام جديد «الطباعة» مع مبدأ جديد «الحرية الفكرية في الدين»، وقلبا مبدأ «الرق الفكري» وغيرا تعود الناس إياه.
فالعبقرية التي تظهر كل حين بعد آخر تنشئ مبادئ وأنظمة جديدة، وتنزلها إلى ميدان تنازع البقاء. فهي كمحدثات الظواهر العضوية في أجسام الأحياء
1
التي تظهر كل حين بعد آخر كشواذ فيها، فإن توافقت مع البيئة وفاز الحي الذي بدت فيه في معركة تنازع البقاء؛ تسلسلت بالوراثة من جيل إلى جيل، وثبت ذلك النوع الجديد في دائرة الحياة وإلا انقرض.
هكذا العبقريون في العلوم والفنون والآداب - والمصلحون هم عبقريون في أدب النفس - يستنبطون مبادئ أدبية، أو نظريات فلسفية، أو اختراعات مادية، أو أنظمة اجتماعية كلها جديدة، فتنازع الموجود من نوعها البقاء؛ ولهذا تجد دائما في المجتمع مبادئ جديدة تنازع مبادئ أدبية قديمة، وأنظمة جديدة تنازع أنظمة قديمة، وعادات حادثة تنازع تقاليد متقادمة، وكذلك تجد تنافرا بين المبادئ ونماذج الحياة، وبين الأنظمة والعادات. ومهمة عملية التطور هي أن تنفي هذا وتثبت هذاك؛ لكي توفق بين العناصر الثلاثة: المبدأ والنظام والعادة.
فإذن كل تطور اجتماعي إنما هو نتيجة تطور أدبي، أو هو مرافق لتطور أدبي يناسبه، أو هو مستلزم تطورا أدبيا. والعبقريون هم أدوات عملية التطور، والمصلحون منهم هم أداة التطور الأدبي الخاص اللازم للتطور الاجتماعي. (1-6) كيف يصلح المصلحون؟
ولا يخفى عليك أن جانبا كبيرا من الناس يعملون وفق المبادئ والأنظمة القائمة في المجتمع، وينسجون على منوال النماذج التقليدية الموجودة في بيئتهم، فهؤلاء يسيرون في التيار، وقلما يفكرون فيما فيه من أمواج التناقضات المضطربة. وهناك فريق آخر يفكرون أكثر مما يفعلون؛ لأن أمواج التناقضات المضطربة تحرض ذكاءهم للتفكير في الأنظمة والمبادئ ونماذج الحياة المتباينة، واستخراج مبادئ وأنظمة ونماذج متوافقة يستتب بها سير المجتمع في طريق قويم، ويزيد تكتله متانة.
Halaman tidak diketahui