Ilmu Adab Jiwa
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genre-genre
والسلوك التام الجودة هو الذي يحدث سرورا فقط بلا ألم، وإنما يقال عن السلوك: إنه حسن نسبيا إذا كان سروره يربو على ألمه؛ أي حاصل اتجاهه يؤدي إلى أفضل ما يمكن من المصاقبة للبيئة. والغاية الأدبية العليا هي مساعدة الحي في عملية التطور هذه التي تقوم بأتم ما يمكن من مصاقبة التناسبات الداخلية التي في الحي للتناسبات الخارجية في بيئته. (2-2) مصاقبة الذات والبيئة للمثل الأعلى
وقد لاحظ مكنزي على سبنسر ملاحظة وجيهة في تعليل الغاية الأدبية على هذا النحو، وإليك فحوى ملاحظته: «إنه لواضح أن معنى الرقي استمرار عملية المصاقبة بين الحي وبيئته، وتطبيق الحياة على مقتضيات البيئة، فرقي المعرفة إنما هو استمرار تطبيق تصوراتنا على حقائق الطبيعة أكثر فأكثر فأكثر، كذلك تقدم الفنون إنما هو تعلمنا تدريجيا أن نطبق أشكال حياتنا على الضرورات التي تفرضها علينا أحوال عالمنا الخارجي. وهكذا في الأدبيات نزعم أن لنا عادات أجمل، وقوانين أفضل مما كان لأسلافنا، بقدر ما لنا من واسع التصورات فيما هو مطلوب منا، وبقدر ما نحن حسنو الضمير في تلبية هذا المطلوب. ومعنى ذلك أننا نطبق أشكال حياتنا على مقتضيات هذه الحال.
ولكن ماذا يتضمنه هذا التطبيق غير ذلك؟ أليس أنه يتضمن عدا ذلك أن لنا غايات خاصة نضعها نصب أعيننا لكي نسعى إليها؟ ... إن الإنسان يدرك حاجته إلى مصاقبة بيئته لأن له أغراضا محدودة: فالعالم يرى أن أفكاره أو تصوراته غير مطابقة تمام المطابقة لحقائق الطبيعة؛ ولذلك يسعى إلى زيادة المعرفة لكي يتسنى له أن يطبقها أتم تطبيق، فالإنسان العلمي يعلم حاجته إلى هذا التطبيق أو المصاقبة بينه وبين بيئته؛ لأنه يعلم أن له غاية يريد الحصول عليها، وبعبارة أخرى: لأنه يأتي إلى الوجود ومعه مثل أعلى ليس له في الوجود شكل مطابق له، بل هو يجاهد في ابتداعه.
فإذا كان الأمر كذلك انعكست الآية، فلا يقال: إن النقص الذي في الأحياء - والذي يزيله رقي حياتهم التدريجي - أنهم غير مصاقبين لبيئتهم، بل أن بيئتهم غير مصاقبة لهم؛ لأن القاعدة التي عرف بها هذا النقص موجودة فيهم لا في البيئة، فإذا كان الإنسان يبتغي أحيانا أن يغير مجرى الطبيعة، فلأنه يريد أن يكيف البيئة لكي تصاقبه.
أو بالأحرى لأنه يريد أن يكيف البيئة ونفسه معا لكي تصاقبا المثل الأعلى الذي يجب أن تتمثل به حياته، حتى إن الحيوانات العجماء في كثير من الأحوال تجعل البيئة مصاقبة لها كما تجعل نفسها مصاقبة للبيئة. ففي كل حال نرى هناك مثلا أعلى للمصاقبة؛ أي إن هناك غاية يرمي الحي إليها مدركا لها أو غير مدرك. وإذا كان الأمر كذلك؛ فمما لا ريب فيه أن الغاية هي التي تعين نوع عملية المصاقبة التي تنال بها الغاية نفسها.»
ووجه الخلاف بين مكنزي وسبنسر: هو أن سبنسر يجعل سبب عملية المصاقبة في عوامل البيئة الخارجية، ومكنزي يجعله في الغاية التي يرمي إليها الحي بواسطة هذه المصاقبة، على أن مكنزي لم يبسط وجاهة ملاحظته مع أنها من الأهمية بمكان عظيم، بل وقف عند تفنيد نظرية سبنسر كما رأيت. أما وجاهة هذه الملاحظة فهي في «يقيننا» في وضع الغاية القصوى في المكان الأول من الأهمية، وفي جعلها القوة الرئيسية المنبثة في عملية التصاقب. (2-3) العقل يخضع الطبيعة لخدمة المثل الأعلى
ولو كانت الحركة الحيوية مقتصرة على المصاقبة المتبادلة بين الحي والبيئة لكان التطور بطيئا جدا قلما يختلف عن تطورات الجمادات كالتطورات الجيولوجية مثلا، ولو كان التطور مقتصرا على مجرد نتيجة التفاعل الطبيعي بين قوتي الحي والبيئة لقل التنويع فيه، ولرسا الحي على حالة واحدة في بيئة واحدة دهورا طوالا، ولما نشأ من الحياة العالم العقلي، ومن العالم العقلي العالمان الاجتماعي والأدبي؛ لأنه إن كانت الحياة نتيجة تفاعل كيماوي أو شبه كيماوي بين عناصر المادة، فالعقل ليس كذلك؛ بل هو في دوره الأول نتيجة تفاعل بين عمليات الجهاز العصبي وقوى الطبيعة الخارجية من تخيل وذاكرة إلخ، وفي دوره الآخر نتيجة تفاعل القوى العقلية نفسها، من تجريد واستدلال واستنتاج إلخ، مستقلة عن المادة.
فلذلك منذ تم نشوء الحياة وتميزها عن الجماد صار في جوهر الحي نزعة إلى التغلب على الطبيعة والتحكم فيها؛ ليخضع قواها ويستخدمها لرغائبه. ففيما هو يصاقب البيئة الطبيعية لكي يستطيع أن يعيش فيها، كان يحاول أن يجعلها من نواح أخرى مصاقبة له، وكان كلما ارتفع درجة في سلم رقيه ازدادت وسائله لإخضاع الطبيعة له، وجعلها مصاقبة له. (2-4) إبداع الحي العالم العقلي
فإذن منذ شرع الحي يصعد في سلم رقيه نشأت فيه غاية تسيير هذه المصاقبة التي بينه وبين الطبيعة، وهي أن يتفوق على الطبيعة ليس بكيفية قوته المتغلبة فقط، بل بشكل مادتها وأسلوب تركبها، وليس بذلك فقط، بل بإنشاء عالم روحاني لم يكن موجودا في الطبيعة، أو لم يكن فيها منه إلا جوهره، وأما شكله وبنيته فهما من مبتدعات القوة الحيوية ومخترعاتها.
فالعالم العقلي البحت من تخيل وتجريد وتعليل إلخ ليس موجودا في الطبيعة الجامدة، وإنما هو من مبتدعات الطبقة العليا من طبقات الحياة، من مبتدعات الجهاز العصبي الإنساني. وليس ذلك العالم نتيجة تفاعلات هذا الجهاز مع قوى البيئة الطبيعية فقط، بل هو بالأكثر نتيجة تفاعلات الأجهزة العصبية والدماغية المتعددة بعضها ببعض أولا، ثم تفاعلات القوى العقلية الصادرة منها بعضها ببعض ثانيا.
Halaman tidak diketahui