60

Cibarat

العبرات

Penerbit

دار الهدى الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع

Lokasi Penerbit

بيروت - لبنان

Genre-genre

Sastera
Retorik
وروحاتهم فَأَصْبَحَتْ وَهِيَ لَمْ تَسْلَخ اَلثَّامِنَة مِنْ عُمْرهَا تَعِيش فِي قَصْرهَا عَيْش اَلزَّاهِدَات المتبتلات فَكَّانِ لَا يَرَاهَا الرائي إِلَّا ذَاهِبَة إِلَى اَلْكَنِيسَة أَوْ عَائِدَة مِنْهَا لَا يَصْحَبهَا إِلَّا غُلَامهَا أَوْ وَاقِفَة عَلَى أَطْلَال اَلدَّوْلَة اَلْمَاضِيَة وَرُسُومهَا تَقَلَّبَ فِيهَا نَظَر اَلْعِظَة وَالِاعْتِبَار أَوْ هَائِمَة عَلَى وَجْههَا فِي مُرُوج غَرْنَاطَة وَبَسَاتِينهَا حَتَّى يَنْزِل سِتَار اَللَّيْل فَتَعُود إِلَى قَصْرهَا وَكَذَلِكَ كَانَ شَأْنهَا فِي جَمِيع أَيَّامهَا حَتَّى سَمَّاهَا أَهْل غَرْنَاطَة اَلرَّاهِبَة اَلْجَمِيلَة. فَإِنَّهَا لِسَائِرَة يَوْمًا بِجَانِب مَقْبَرَة بَنِي اَلْأَحْمَر إِذْ لَمَحَتْ عَلَى اَلْبُعْد فَتَى عَرَبِيًّا مُكِبًّا عَلَى أَحَد اَلْقُبُور كَأَنَّمَا يُقْبَل صَفَائِحه وَيُبْلَ تُرْبَته بِدُمُوعِهِ فَرَثَتْ لِحَالِهِ وَمَشَتْ نَحْوه حَتَّى دَنَتْهُ فَأَحَسَّ بِهَا فَرَفَعَ رَأْسه فَعَرَفَهَا وَعَرَفَتْهُ فَقَالَتْ لَهُ إِنَّك تَبْكِي مُلُوكك بِالْأَمْسِ أَيُّهَا اَلْفَتِيّ فابكهم كَثِيرًا فَقَدْ جَفَّ تُرَاب قُبُورهمْ لِقِلَّة مِنْ يَبْكِي عَلَيْهِمْ قَالَ أترثين لَهُمْ يَا سَيِّدَتِي قَالَتْ نَعَمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عُظَمَاء فَنَكَبَهُمْ اَلدَّهْر وَلَيْسَ أَحَقّ بِدُمُوع اَلْبَاكِينَ مِنْ اَلْعُظَمَاء اَلسَّاقِطِينَ قَالَ شُكْرًا لَك يَا سَيِّد فَهَذِهِ أَوَّل سَاعَة شَعَرَتْ فِيهَا بِبَرْد اَلْعَزَاء يَدِبّ فِي صَدْرِي مُنْذُ وَطِئَتْ قَدَمَايَ أَرْضكُمْ هَذِهِ قَالَتْ هَلْ زُرْت قُصُورهمْ وَآثَارهمْ اَلَّتِي تَرَكُوهَا مَنْ بَعَّدَهُمْ فِي هَذِهِ اَلدِّيَار فَأَطْرَقَ قَلِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه فَإِذَا دَمْعَة تَتَرَجْرَج فِي مُقْلَتَيْهِ وَقَالَ لَا يَا سَيِّدَتِي لَقَدْ حَاوَلَتْ اَلدُّنُوّ مِنْهَا فَطَرَدَنِي عَنْهَا اَلْمُوَكَّلُونَ بِأَبْوَابِهَا كَأَنَّمَا هُمْ يَجْهَلُونَ أَنْ لَيْسَ بَيْن اَلْأَحْيَاء جَمِيعهمْ فِي هَذَا اَلْعَالَم كُلّه مِنْ هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنِّي قَالَتْ أَتَمَّتْ إِلَيَّ أَحَد مِنْ أَصْحَابهَا بِنَسَب أَوْ رَحِم قَالَ لَا يَا سَيِّدَتِي وَلَكِنِّي عَبْدهمْ وَمَوْلَاهُمْ وصنيعة أَيْدِيهمْ وَغَرْس نِعْمَتهمْ فَلَا أَنْسَى

1 / 64