لذا تساءل السلطان حسن الهلالي مترددا محدثا نفسه: والحل؟
إلى أن عثر على ضالته، بطرح الأمر بين يدي صاحبة المشورة أخته الأميرة الجازية، فهي وحدها التي يحق لها الاختيار بالزواج من أحد الأميرين، هي وحدها التي يحق لها قبل أي إنسان آخر التصرف في حياتها ومستقبلها وما يحن إليه قلبها المفعم دوما بالحب للجميع.
صحيح أن الأحقية الأولى في الزواج من الأميرة الجازية هي من نصيب أمير تحالف عرب جنوب جزيرة العرب دياب بن غانم؛ وذلك لضمان توثيق الروابط بين شقي التحالف الهلالي، أي بين النجديين والحجازيين «العدنانيين» وبين قبائل عرب اليمن والجنوب العربي عامة من «القحطانيين»، وقائدهم وفارسهم هنا هو الأمير دياب بن غانم.
بل إن السلطان حسن بن سرحان سبق له فعلا أن قطع على نفسه عهدا بزواج الجازية من دياب بن غانم، وحدث ذلك في مناسبة حفل زواج السلطان حسن نفسه من أخت دياب «الأميرة نوفلة» منذ ما يربو على العشرين عاما، وأنجب منها أبناءه الثلاثة يونس ومرعي ويحيى.
تذكر السلطان حسن عهده ذاك وهو يأخذ طريقه ليلا داخل أبهاء قصره للاجتماع بأخته الجازية ومفاتحتها في الأمر، مقدما المطلبين للأميرين دياب وشكر ورغبتهما في الزواج منها، فما كان من الجازية إلا أن أرجأت في أسى كظيم كلا المطلبين.
وهنا تعرف السلطان حسن بعمق بصيرته مدى ما اعتراها من تحولات أضفت عليها شحوبا أقرب إلى الذبول، عقب لقاء أبي زيد بالعالية بنت جابر وخطبته لها، بل وإتمام الزواج.
وهو الزواج الذي جاء مبسطا خاطفا نتيجة لوقوعه معجلا في أعقاب ما تبقى من شعائر جنازة الأميرة الأم شماء، حيث اقتصر على مجرد عقد القران الذي أبرمه القاضي بدير في حضرته - أي السلطان حسن - حسب رغبة الطرفين خاصة العالية بنت جابر، التي ما زالت تعاني أيضا من مقتل أخويها عقيل وزيد في مجاهل الهند وسرنديب على يد أبي زيد الهلالي حبيبها وزوجها المقبل.
ورغم مباركة الجازية للزواج مفضلة حقن دماء الهلاليين لبعضهم البعض وما قد يجره هذا من سلسلة الانتقامات وبحار الدم الواحد المراق، فإنها أبقت على مأساتها الشخصية وآلامها لافتقاد صديق صباها ومطمح آمالها كأنثى ... أبي زيد.
ثم ها هي أخيرا تجد نفسها نهبا لرغبتين شديدتي التشابه، فإما قبول الزواج بابن عمها دياب وما تتحسسه منه من رغبات دفينة في التسلط برغم إقدامه وفضائله التي لا تنسى للهلاليين، وإما قبول أمير مكة زوجا بما يحقق لها من عناصر قوة جديدة لقبائلها الهلالية خاصة في هذه الظروف العصيبة، وهو ما ضاعف أحزان الجازية إلى حد شل حركتها عن اتخاذ قرار واضح صريح، مفضلة في المحل الأول مصلحة الهلاليين السياسية دون أي اعتبار لمشاعرها كأنثى قبل أن تكون قائدة ومحاربة.
لذا تساءلت الجازية طويلا لنفسها: كيف أتصرف؟
Halaman tidak diketahui