Persembahan Solo: Kajian dan Artikel
عزف منفرد: دراسات ومقالات
Genre-genre
نحن فعلا - مهما نقدنا أنفسنا - شعب متحضر حقا؛ ولهذا فإني أعتقد أن كل الدعاوى الداعية إلى التطرف دعاوى تزرع أو تستزرع في أرض مصر، ولكنها دائما وأبدا تبقى بلا جذور؛ فإن طبيعة شعبنا تكره من أعماق قلبها التعصب الأعمى المقيت، فما بالك بالعنف المتعصب أو التعصب العنيف؟! إنها موجات، تثور ربما لأسباب لا علاقة لها البتة بالقضية أو العقيدة أو الدين، ولكن سرعان ما يئوب الشعب أو طائفته إلى الحكمة، وتغلب عليه طبيعته المتحضرة، ليس عبثا إذن أننا أقدم أو من أقدم الشعوب الموجودة على سطح الأرض ، والقدم هنا هو العراقة البشرية، وتراكم الخبرات والمعارف والثقافات، بحيث تترسب طبقات التحضر بعضها فوق بعض، وتؤدي في النهاية إلى إنساننا اليوم؛ ذلك الإنسان الذي ما ذهبت إلى بلد أوروبي أو غير أوروبي وسألت الشخص أو الأشخاص الذين زاروا مصر عن أحسن ما أعجبهم فيها، ولدهشتي كنت أسمع كلمة الأهرام أو أبي الهول أو المتحف أو أسوان الجميلة، ولكن الإجماع على أن الشعب المصري ودماثة طبعه وحلو معشره، ورغبته المستمرة في محاولة مساعدة الغير، والشهامة في معاملة الغريب، الإجماع على أن الشعب المصري هو أجمل ما في مصر، وحتى حين حاولت مرة أن أختبر حماس كاتب سويسري زار القاهرة ومكث فيها شهرا وقلت له: إن النظافة في القاهرة سيئة، كما لا بد أن لاحظت. أجابني إجابة غريبة قائلا: إن القذارة في القاهرة موجودة في الشارع والحارة، ولكن الشوارع هنا (يقصد سويسرا) نظيفة جدا كما ترى، في حين أن القذارة موجودة داخل العقول، أما شعبكم فعقوله من الداخل أنظف بكثير من أية سويسرا.
وأستطيع أن أقسم تلك الخطابات تقسيما رئيسيا وأقول: إن أكثر من ستين في المائة منها تصور أني ضد تطبيق الشرع الإلهي، وأخذ يسوق حججه «لإقناعي» على هذا الأساس، بالتفصيل والتحديد، وأحيانا في خطابات من خمسين صفحة!
أما الذي دهشت له حقا فهو أن هناك نسبة كبيرة جدا فهمت تماما ما أعنيه فيما ذهبت إليه وراحت بدورها تسوق حججها للدلالة على رأيها، وكأن كلا منهم يكتب مقالة أو يتصور أن خطابه سينشر، وكم كان بودي أن أفعل مع هؤلاء وهؤلاء، ولكن العملية مستحيلة تماما، فالكم هائل والاستحالة مؤكدة، أجل، أدهشني أن عددا كبيرا جدا من الناس أفرج هذا الحوار الذي دار بين الأستاذ خالد محمد خالد وبيني، قد أفرج عن آرائهم التي كانوا يحبسونها إما خوفا، وإما ترددا ولا مبالاة، وإما عدم إدراك لخطورة المشكلة وأبعادها، هؤلاء أسعدهم كسر هذا «التابو» أو المحرم الذي كان يحول بين الإنسان وبين مناقشة - مجرد مناقشة - قضية تتعلق ليس فقط بمجتمعه الحاضر وحياته ، بل به هو شخصيا وبعائلته وأولاده ومستقبل بلادنا القادم كله، كيف يمكن لقضية كهذه أن توضع موضع التحريم، بحيث يعتبر أي متصد لها كافرا أو ملحدا أو زنديقا، وكأن بعض الناس قد أقاموا من أنفسهم أوصياء على المصريين يفكرون لهم ويشرعون ويفرضون الرأي بالقوة أو بالكثرة غير عابئين مطلقا بأن هناك مواطنين آخرين مخلصين مثلهم تماما، ومؤمنين مثلهم تماما، ولهم نفس الحق في قول الرأي أو مناقشة الرأي إذا قيل، بل مناقشة حق هؤلاء الناس في «فرض» الرأي، واتهام من يعارضه بالخروج من جنة الدين وسماحة الإسلام.
وبالمناسبة أقول: إن هذا التطرف في فرض الوصاية والتعصب على المسلمين يقابله في الناحية الأخرى تعصب من بعض المتطرفين الأقباط، وهذا وإن بدا طبيعيا، إلا أنه في النهاية لا يقل سوءا عن التطرف في الناحية الإسلامية.
أما الذي لفت نظري حقا فهو أن معظم الخطابات التي شابها التشنج والعصبية جاءت من بعض المصريين الذي يعملون في دولة بترولية عربية وبعض مواطني تلك الدولة، وهذا شيء في نظري لا غرابة فيه بالمرة؛ فإن الطريقة التي يطبق بها الإسلام وينادى بتطبيقه في تلك الدولة طريقة متشنجة متعصبة لا تأخذ من الإسلام سوى قشرته الظاهرية من لباس أو قناع وتترك روحه ورسالته الإنسانية الحضارية الكبرى جانبا؛ لأن الإسلام لو طبق تطبيقا حقيقيا سليما لتقوضت أنظمة كثيرة ترفع راية القشرة الإسلامية وتتجاهل جوهره العظيم.
ومن أمثلة تلك الخطابات عدد منها يسائلني باستنكار كبير: كيف أجادل في تطبيق شريعة الله؟! وأنادي بتطبيق تلك القوانين الوضعية التي يضعها البشر؟!
وهذا هو لب الموضوع، فإن أحدا لا ينادي أبدا بعدم تطبيق الشريعة الإلهية الإسلامية، إنه يكون مجنونا لو فعل؛ فالشرائع السماوية كلها وعلى رأسها الإسلام فوق أنها أمر الله - سبحانه وتعالى - إلا أنها لم تأت إلا لتقيم العدل الاجتماعي بالمساواة التامة بين البشر؛ من هو المجنون الذي يعترض على شريعة الله؟! معاذ الله! إنما المشكلة أيها الإخوان العاملون هناك أن الشريعة حقا وصدقا شريعة الله، ولكن من يطبق تلك الشريعة ؟ مرة أخرى أتساءل: من سيطبق أو يطبق تلك الشريعة؟! أليسوا هم البشر؟! أليس هم أناسا مثلي ومثلك حتى لو كانوا من فطاحل الفقهاء؟! إذن، الشريعة شريعة الله، ولكن التطبيق يبقى دائما وأبدا من صنع البشر ومن أفعالهم ومن آرائهم، وبهذا لا يكون للمطبق نفس قداسة الشريعة، فالشريعة سماوية والمطبق بشر، عرضة لأخطاء البشر وأهواء البشر.
ودعونا نأخذ مثلا طازجا وأخيرا؛ الأستاذ الكبير خالد محمد خالد، وهو من هو ممن لا نشك لحظة في صدق دعواه واجتهاداته، يقول: إن تطبيق الشريعة لا بد يحتوي على أن تكون الأمة مصدر السلطات، وأن المسلمين يختارون ممثليهم وحاكميهم بالانتخاب الحر المباشر، وأن الحقوق الديمقراطية الكاملة مشروعة وواجبة للمواطن المسلم وغير المسلم، مثل حق إبداء الرأي وحرية العقيدة إلى آخر ما يعطي ما يسمى بالحقوق الديمقراطية للمواطنين كافة في العالم المتحضر الآن، ويجيء شيخنا الكبير الأستاذ عمر التلمساني ليعطي تفسيرا مختلفا تماما لتطبيق الشريعة، باعتبار أن فكرة الديمقراطية نفسها فكرة غير إسلامية، وارجعوا إلى مقاله في جريدة «الشعب» المنشور حول هذا الموضوع لتجدوا أنه لا يتناقض فقط مع آراء الأستاذ خالد محمد خالد، ولكنه يكاد يعارضها تماما جملة وتفصيلا، ثم نقرأ للأستاذ الدكتور عمر عبد الرحمن كتابا يقول شيئا ثالثا مختلفا تماما مع الأستاذين الجليلين، وعماد هذا القول أن الأمة ليست مصدر السلطات، ولكن الله - سبحانه وتعالى - هو مصدر السلطات، بمعنى أن القرآن الكريم هو مصدر السلطات، ولكن الدكتور عمر لم يخبرنا عمن سيفسر لنا ما ورد في القرآن الكريم من أحكام، حتى لو كان هو المفسر، أليس هو بشرا؟! أليس هو مواطنا مصريا؟! أليس هو واحدا من شعب كبير له نفس الحق أن يختار من يحكمه وأن يلزم الحاكم بالشورى ويحاسبه؟! أم إن الحاكم سيكتسب - في رأي الدكتور عمر عبد الرحمن - سلطات إلهية بحيث لا يمكن محاسبته، وهو الأمر الذي لم يزعمه أبدا خلفاء النبي
صلى الله عليه وسلم
الذين قالوا وهم أحباء النبي وأصدقاؤه وخلفاؤه والأعمدة التي قام عليها الإسلام نفسه: إن رأيتم فينا اعوجاجا فقوموناه. إذن، هم لم يأتوا باسم حق إلهي أن يحكموا المسلمين، وإنما جاءوا نتيجة ترشيح من الأمة أو من أمير المؤمنين الأسبق، ولم يصبحوا خلفاء وأمراء للمؤمنين إلا ببيعة (أو انتخاب حر مباشر) قام به كل مسلم في المدينة آنذاك. •••
Halaman tidak diketahui