Persembahan Solo: Kajian dan Artikel
عزف منفرد: دراسات ومقالات
Genre-genre
الحل بسيط للغاية، يا سادتنا الآباء والمربين والحريصين على التراث والتقاليد.
فالتليفزيون في ذاته كجهاز قمة من قمم الهندسة البشرية، وآلة إعجاز تكنولوجي ولا عيب فيه بالمرة.
المشكلة هي فقط «محتوى» هذا الجهاز وما يبثه.
وبلادنا العربية قد اشترت من أوروبا واليابان وأمريكا ملايين من أجهزة التليفزيون والفيديو، ولكن كان عليها إرسال بعثات «بشرية» لدراسة المواد التي يمكن لهذا الجهاز أن يبثها، وأثر هذه المواد على عقول كل الأجيال من الأطفال إلى الشيوخ، وأثره بالذات على مجتمعات لم تمر حتى بفترة الراديو أو المسرح أو السينما، وإنما فجأة من حديث الجدات وحواديتهم انتقلت إلى عصر البث التليفزيوني وحلقات دالاس ومونت كارلو شو.
كان علينا أن ننتقي ونحضر «كادرا» من فتيان موهوبين، يدرسون ما فعله صناع البرامج الممتازة في التليفزيونات الأخرى، وبالذات التليفزيون البريطاني والتليفزيونات الأوروبية، ثم يتعلمون كيف يقدمون المقابل العربي الصالح والشاحذ والمنبه للعقل العربي، بكافة مكوناته وأجياله، و«يكتبون» النصوص، لا أقول ذات القيم الأخلاقية الرفيعة كما يقول عتاة المتفيقهين، ولكن تلك التي تستلهم قيمنا وتراثنا وحاضرنا وتصنع منها «فنا» تليفزيونيا حين نشاهده يدفعنا إلى كل ما هو أرفع وأمتع وأنفع.
إني في كل مرة أذهب إلى بريطانيا، ودائما أوقت ميعاد وصولي يوم السبت؛ لأستريح في عطلة الأسبوع ثم أبدأ في قضاء مصالحي يوم الإثنين بداية الأسبوع، كنت ما أكاد أجلس في حجرتي في الفندق وأفتح الجهاز حتى أكاد أتسمر بجانبه لا أريد أن أتحرك؛ ذلك في كل برنامج «أتعلم منه» شيئا ممتعا جديدا، و«أعرف» منه تسلية عظمى، ما لم أكن أبدا أعرفه، و«أرى» أشياء كنت أسمع عنها وطالما حلمت برؤيتها رأي العين، حتى إنني كنت لا أغلق التليفزيون حين يتحول الإرسال إلى ما يسمونه جامعة الهواء، حيث تدرس مواد الرياضة البحتة والطبيعة والكيمياء والذرة والفلك، بكل ما تحمل من صعوبة وتعقيدات بطريقة تليفزيونية مرسومة ومسهلة بحيث يمكن لأي كائن - فما بالك بمن لديه الحد الأدنى من المعرفة - أن يتابعها ويستوعبها ويستمتع بما أضيف إليه من معارف ممتعة لا تحققها له أي «ديناستي» أو «دالاس» أو رجل أو امرأة «لستة بلايين دولار»، أقسم أني رغم شغفي الشديد بالخروج كنت لا أغادر الغرفة خلال كل عطلة نهاية الأسبوع لأني لم أكن بصراحة أستطيع قطع متعة المشاهدة الممتعة المفيدة. •••
نحن إذن قد استوردنا آلات وبرامج مصكوكة، ولم نفعل الشيء الذي يجب أن نكون قد قمنا بفعله قبل استيراد تلك المعدات والأدوات والبرامج، ألا وهو أن نكتشف مادتنا التليفزيونية نحن، نفننها، ونقدمها ونطورها، ونتعلم كيف نفننها أكثر ونطورها أكثر وأكثر.
وأحسب أننا قد «استوينا» من برامجنا المستوردة، وآن الأوان لننتج نحن برامجنا، وهي ليست برامج استعراضية أو ترفيهية أو مكلفة، إنها أبسط من هذا بكثير، إنها برامج حية وبسيطة ويشترك فيها المواطنون جميعا يناقشون مشاكلهم، «تقريبا ربع برامج التليفزيون البريطاني مخصصة لمشاكل المدارس والتلامذة وأولياء الأمور والمدرسين وأوجه التقصير، من كل حي أو بلد على حدة، بل أحيانا من كل مدرسة»، مناقشة أي قضية عامة يختلف أو يتفق فيها المجتمع مع وجهة النظر الرسمية أو غير الرسمية، باختصار حولوا التليفزيون هناك إلى مجلس شعبي، ولمصلحة الشعب، ومهرجان شعبي، وأداة شعبية لمناقشة الشعب، بأفراد من الشعب ولمصلحة الشعب، وبهذا وصلوا إلى ما يمكن تسميته بكل أمانة الديمقراطية التليفزيونية، حتى أصبحت الديمقراطية البرلمانية بجوارها وكأنها مجالس سفسطائية، فالقوة الحقيقية والقرارات الحقيقية، وحتى الانتخابات الحقيقية وحلول المشاكل الحقيقية تأتي من التليفزيون ومن الشعب الذي أحال التليفزيون من لعبة إلى جهاز جاد يجمعه في بوتقة واحدة، ويضع السائل والمسئول والحاكم والمحكوم في حيز واحد وأمام أعين جمهور واع فاحص علمه التليفزيون كيف يعي وكيف يفرق بين الزيف والحقيقة، ومباشرة ومن التو واللحظة يحكم، ويكون حكمه في معظم الأحوال عادلا وصادقا ونابعا من قلب الحقيقة والشعب.
فمتى نحيل - نحن العرب - تلك الألعاب التليفزيونية إلى وسائل حضارية جادة تسوس حياتنا وتقومها وتدفعها إلى الأرفع والأحسن؟! أم سنظل كالأطفال في أوروبا، نستعمل التليفزيون والفيديو وسائل ألعاب وتضييع وقت ومراهقات فكرية وعاطفية وجسدية، وحلقات درامية ما أنزل الله بها من سلطان؟! بل الحقيقة أنه أنزل بها كثيرا من اللعنات التي للأسف تصيب أبناءنا البرآء وقلوبهم الخضراء الغضة، وعقولهم التي ستنتهي في الغالب إلى أن تصبح لا شرقية ولا غربية ولا أي شيئية.
وحتى لا تكون النهاية أن يقوم كل رب أسرة بأن ينهال تحطيما على جهاز عظيم نحيا في عصره هو جهاز التليفزيون.
Halaman tidak diketahui