Persembahan Solo: Kajian dan Artikel
عزف منفرد: دراسات ومقالات
Genre-genre
تقطعت الخيوط تماما، وبالذات تلك الخيوط التي تربط الابنة بالأب أو الابن بالأب، لم يعد يربط يننا إلا تلك الهدايا التي يتوقعونها بشغف غير زائد مبدين دائما نقدا للألوان وللأنواع التي اختارها.
تصوروا!
مليونا أب؛ أي مليونا أسرة، إذا كان متوسط تعداد كل أسرة خمسة، يكون المجموع عشرة ملايين معظمهم من الأطفال والصبية والمراهقات والزوجات المحرومات من أزواجهن لفترات طويلة قد تتعدى العام!
كان محتما في ظل وضع كهذا أن «تنفك» الأسرة تماما، فصحيح أن الأب لا يلعب الدور الأكبر في تربية الأطفال بالذات، وإنما الأم هي التي تقوم بهذا الدور، ولكن للأب دورا آخر أعمق أهمية بكثير؛ إذ هو ليس مجرد ساق ثانية تمشي عليها الأسرة مع الساق الأولى: الأم، إنه العمود الفقري الذي يصلب حيل العائلة ويجعل منها كلا متماسكا، هو الرمز للكيان الواحد؛ ولذلك فالأطفال يسمون باسمه ويفخرون بالانتساب إليه؛ من هذا؟ هذا ابن فلان. بل إنه في مجتمعاتنا العربية إذا نسب الابن أو الابنة إلى الأم اعتبر هذا من قبيل السباب، وأيضا لهذا كله يعتبر الأب أكثر درجة في الأهمية.
إن الأب هو «البطل» في نظر أبنائه وبناته وزوجته، اختر أي طفل فقيرا كان أو غنيا، راضيا عن أبيه أو ساخطا واسأله: من يختار من بين كل الناس «بطلا» يتبعه ويطيعه، وستجده يختار بالفطرة بطله: أباه، وفي ظل قيادته تحل كل المشكلات، وتنسجم كل المتناقضات ويخرس بحسمه كل الأصوات.
الأم تطعم، «ماما» تحن وتعطف، لكن الأب هو الذي يصنع المثل الأعلى ويقلده الابن دون أن يعرف أو يدري، ويرى فيه رمزا لرجولته المقبلة، وترى فيه البنت نموذجا لما تحب أن يكون عليه عريسها ومن تحبه، أما الزوجة فحاجتها للأب لا تقل عن حاجة أولادها، بل حاجتها إلى الأب ملحة، حتى لو كان مريضا أو عجوزا أو بلا عمل؛ ومن هنا جاء المثل: «ضل راجل ولا ضل حيطة»، أو ذلك الذي تقوله الزوجة إذا مات زوجها: «يا سبعي!»
فعلا، الأب هو السبع، وهو الأسد، وهو القادر، وهو العمود.
وإذا كانت الظروف الاقتصادية قد أجبرت كثيرا من الآباء - ملايين الآباء - على ترك عائلاتهم والسفر بلاد الله لخلق الله بحثا عن لقمة العيش، فإن ظروف بقية العالم العربي الغني فعلت بالأب ربما أكثر بكثير مما فعله الفقر ببعض الآباء؛ فالمال إغراء قوي على مزيد من الربح والغنى ، وقد انشغل الأب العربي الغني بتنمية ثروته وبالأسفار من أجل أعماله المترامية، شغله المال عن الأسرة، بل استعاض بالمال عن الأسرة، وأصبحت أسرته الحقيقية هي ودائعه في البنوك التي يطمئن على سعر فائدتها كل صباح، وقبل أن يتلفظ بكلمة مع أفراد أسرته الحقيقيين انشغل بأسعار الأسهم والمستندات عن أقرب الناس إليه، وهو صحيح لم يغب في بلاد أخرى ليعمل، لكنه حاضر في بلده بين أهله وأسرته، ولكنه ذلك الحاضر الغائب، وما أبشع الأب حين يكون حاضرا غائبا! فعلى الأقل في حالة الغيبة حجته معه كما يقولون، أما وهو حاضر وفي الوقت نفسه غائب فإن الوضع النفسي لأولاده وزوجته يكون أقسى وأمر. •••
وليس هذا الوضع مقصورا على مصر أو على بلادنا العربية، إنه وضع العالم الرأسمالي، حتى الاشتراكي كله، فكثير من الأسر الأمريكية تعاني من هروب الأب عقب الطفل الأول أو الثاني، وحالات الطلاق والانفصال الجسدي أو الفعلي ما أكثرها! لقد كنت في لوس أنجيلوس وأتيح لي الاختلاط بكثير من الأسر الأمريكية، والمضحك أني لم أجد بينها رجلا تزوج لمرة واحدة أو زوجة تزوجت رجلا واحدا، هناك حركة تبادل مواقع قائمة على قدم وساق بين الأزواج والزوجات، والمطلقات والأرامل.
حركة يدفع ثمنها، أول من يدفع: الأولاد، فتقريبا ينشأ الأولاد بلا أسرة.
Halaman tidak diketahui