Penghiburan Falsafah

Cadil Mustafa d. 1450 AH
218

Penghiburan Falsafah

عزاء الفلسفة

Genre-genre

لا بأس البتة في استخدام الشعر والموسيقى وبقية الفنون في خدمة الحقيقة وعلاج المصاب، على أن يكون ذلك ضمن رؤية علمية أو فلسفية، وبإشراف العالم الخبير وعلى مرأى منه، وفي المراحل الأولى من العلاج نجد «الفلسفة» تستخدم الشعر بكثرة،

1

وها هي تقول للسجين في الكتاب الثاني بصريح العبارة: «لقد آن لك إذن أن تأخذ جرعة خفيفة سائغة تشيع في داخلك وتمهد الطريق بعد لجرعات أنجع، جرب إذن الأثر المهدئ للبلاغة المعسولة التي تمضي في طريقها الصحيح ما لم تحد عن مبادئي، ودعنا نصغي إلى الموسيقى، خادمة داري، ترن في أوزان خفيفة أو ثقيلة وفق طلبي.»

ونحن نريد أن نمضي أبعد من ذلك فنقول: إن لغة الشعر مشروعة تماما حتى داخل اللغة الفلسفية والعلمية! ذلك أن الدراسات اللغوية الجديدة قد دعمت الرأي القائل بأن حرفية اللغة، بما فيها لغة العلم، ليست هي الصراط السوي إلى الحقيقة كما كان يفترض في الماضي، فالتصور الذي يذهب إلى أن الواقع «قائم هناك» بانتظار أن يدرك إمبيريقيا، ثم يوصف عن طريق الاستخدام الحرفي للغة هو تصور لم يعد مقبولا على إطلاقه، فقد بات واضحا للجميع، منذ ثورة كانت على أقل تقدير، أن الواقع هو نتاج تشييد عقلي أو بناء ذهني، وأن هذا العالم كما ندركه هو، على حد قول جون إكلس «صورتنا الرمزية للعالم الموضوعي المستقل عنا.»

من الخصائص الشعرية الجوهرية التي يمكن أن تندمج في أجناس الكتابة وتنصهر في سبيكتها: الرمز، المجاز، الصورة، الاستعارة، ألست ترى أننا نفزع جميعا إلى المثل أو التشبيه أو المجاز أو الشعر الصريح حين تضيق بنا سبل التعبير ويعجز القول المباشر عن وصف حالة باطنة عميقة أو نقل معنى دقيق مرهف أو العروج مع الفكر إلى آفاق تجريدية نائية؟ ذلك أن الاستعارة الحية، كما يقول بول ريكور، ليست زينة وليست زخرفا يمكن أن يقوم القول بدونه وتتم الدلالة بمعزل عنه، إن تدمير المعنى الحرفي في الاستعارة يتيح لمعنى جديد أن يظهر، وبنفس الطريقة تتبدل العملية الإشارية في الجملة الحرفية وتحل محلها إشارة ثانية هي التي تجيء بها الاستعارة، وقد يبدو أن الاستعارة لا تفعل أكثر من تحطيم العملية الإشارية، غير أن هذا في الظاهر فقط، فالاستعارة المبدعة الحية تخلق إشارة جديدة تتيح لنا أن نصف العالم أو جزءا من العالم كان ممتنعا على الوصف المباشر أو الحرفي، إن اللغة الشعرية تدفع عالما جديدا إلى الظهور، ذلك هو عالم التعبير الشعري، هذا العالم يندمج بالعالم الحياتي وينصهر بعالم الفعل اليومي، ويمثل بالنسبة لي عالما ممكنا، عالما بوسعي أن أعيش فيه وأعمل وأعاني، نخلص من ذلك إلى أن الإبداع الشعري للاستعارة يتيح لنا أن نقول شيئا ما جديدا عن عالم خبرتنا المعيشة.

إن اللغة هي وسيلتنا لإدراك العالم والتعامل معه، وكلما كانت اللغة أكثر قدرة على الترميز وأوفر حظا من «النشاط الإشاري» كان العالم الذي ترسمه أوسع وأرحب، وكانت الخبرات التي تبثها أثرى وأخصب، من هنا ينبع مجد الاستعارة، ومن هنا تأتي أهميتها الكشفية والجمالية والنفسية، فالاستعارة وسيلة سيمانتية (دلالية) للإمساك بقطاعات من الواقع ومن خبايا النفس لا يطالها التعبير الحرفي ولا يملك منفذا إليها، بوسع الاستعارة أن تقبض على مستويات عديدة من المعنى في وقت واحد، وتربط المعنى المعرفي المجرد بالمعنى الحسي البدائي المشحون بالعاطفة والانفعال، وتعقد بينهما وصلا مثريا وتكاملا صحيا، والاستعارة إذ تهيب بالخيال الصوري تدعم «الذاكرة البعيدة» وتنمي الإنتاج اللفظي وتحفز الفهم التكاملي، والاستعارة إذ تجلب كل ملحقات المشبه به وتلصقها بالمشبه فهي تتيح كما معلوماتيا كبيرا بمبذول لفظي صغير، وهي بهذا «الاقتصاد الذهني» تجعل الفكر أبعد مدى وأكثر طموحا.

التوقيت، والسياق الكوني للفعل

يلفتنا علاج «الفلسفة» لمريضها وإيقاعه، وتناوب القبض فيه والبسط، وتناوب الشعر والنثر، إلى فكرة السياق الكوني للأشياء والكائنات جميعا، فالكائن ليس معلقا في فراغ، وإنما هو منسلك في منظومة كونية ذات حركية وإيقاع، والظواهر النفسية والعقلية وثيقة الصلة بحركة الكون، ولا يمكن تناول الجزء الإنساني بمعزل عن الكل الكوني، ومن هنا يأتي الحضور القوي والدائم للطبيعة وللكونيات في قصائد «العزاء» وفي مقاطعه النثرية.

ويلفتنا العلاج أيضا لفكرة «التوقيت»: ليس يكفي أن تفعل، بل ينبغي أن تفعل في التوقيت الصحيح، كل شيء يجري في سياق، والوجود كله دورات وإيقاعات وحركة وسيرورة، ولا بد للفعل الناجع من أن يضرب في اللحظة الصحيحة، كأنه النغمة تقع في النغم والإيقاع موقعها الصحيح فتؤتي أثرها ولا تكون نشازا منفرا، وليس التدخل العلاجي من ذلك ببعيد، وطوال «عزاء الفلسفة» نجد الطبيبة حريصة كل الحرص على القصد في اختيار لحظة التدخل، ونوعيته، وضبط الجرعة، في عملية دفع حركة العلاج قدما وتهيئة المريض للخطوة القادمة وتمهيد طريقه للحركة التالية، وكأنها تعزف لحنا بقدر ما تعالج مريضا!

إذا ما أهل برج السرطان يسفع الحقول ... فإن من يبذر قمحه آنذاك في الحقول العقيمة ستخونه إلهة الحصاد وتخلف وعدها له ... ولا تنشد بيد متلهفة أن تقطف أعنابك في مايو، إذا شئت أن تنعم بمذاق العنب فإنما يهب باكخوس (ديونيوس) عطاياه في مقتبل الخريف، فلقد حدد الله المواسم، وهيأ لكل موسم عمله الخاص، ولا تملك قوة أن تفسد النظام الذي قدره، وهكذا؛ لأن طريق العصيان والعسف يحيد عن الصراط السوي، فإن مآله الفشل والوبال.

Halaman tidak diketahui