بالتدريج ، حتى تقرب طبيعة الماء إلى طبيعة الهواء ، وانتقصت مائيته حتى صار هواء ؛ إذ لو لم يكن حد مشترك بين الماء والهواء حتى يكون أسخن الأفراد المائية ، وأبرد الأفراد الهوائية ، لكان الانتقال للمادة من الصورة المائية إلى الصورة الهوائية بلا جامع ، فيلزم إما تتالي الآنين، أو خلو المادة عن الصور في آن واحد ، وكلاهما مستحيل.
والسر في ذلك ، ما دريت ، أن الوجود مما يشتد ويضعف دون الماهية ، وأن مبادىء الآثار هي وجودات الأشياء ، لا ماهياتها ، فالماء إذا اشتد في سخونته أو تضعف في برودته ، وهما صفتان ، وكل صفة عرضية لشيء ، فهي معلولة لوجود جوهري ، والوجود ما لم يتغير في قوته وضعفه لا يمكن أن يختلف أثره في القوة والضعف ، لكن كل تضعف أو اشتداد لا يوجب أن يتغير به حد الماهية في جواب «ما هو» ، إنما التدرج في أحدهما مما ينتهي إلى حيث يتغير جواب «ما هو» دفعة.
ومن هنا اشتبه الأمر على الجمهور ، فزعموا أن الانقلاب دفعي ، والاستحالة تدريجية ، فأنكروا الحركة في الصورة ، وأثبتوها في الكيفية.
وليس الأمر كذلك ، بل الاستحالة لا تخلو عن الكون والفساد ، إلا أن الاستحالة محسوسة في الأكثر ، والتفاوت في الوجود والحركة في الجوهر غير محسوسين ، إلا في الأقل ، ولا يلزم من ذلك وجود أنواع بلا نهاية بالفعل بين جوهر وجوهر ، بل هناك وجود واحد شخصي متصل ، له حدود غير متناهية بالقوة ، كما نبهنا عليه على قياس الاشتداد الكيفي والكمي ، من غير فرق.
Halaman 240