ثم لكل شوق علة وباعث ، فاللاعب باللحية ، والنائم ، والساهي ، لا يخلو فعلهم من شوق ، ولا شوقهم من باعث وعلة ، إما عادة ، أو ضجر عن هيئة ، أو إرادة انتقال إلى هيئة أخرى ، أو حرص من القوى الحاسة أن يتجدد لها فعل ، إلى غير ذلك من أسباب جزئية لا يمكن ضبطها ، والعادة لذيذة ، والانتقال من المملول لذيذ ، والجديد لذيذ ، كل ذلك بحسب القوى الحيوانية ، وتلك اللذات خير حسي ، أو تخيلي ، فهي خير حقيقي للحيوان بما هو حيوان ، وظني بحسب الخير الإنساني ، فليس مثل هذا الفعل خاليا عن خير حقيقي بالقياس إلى ما هو مبدأ له ، وإن لم يكن خيرا حقيقيا عقليا ، وحتى أن لأفعال الطبائع مع أنها غير ذوات الشعور غايات ، وليس إذا عدمت الطبيعة الروية كان الفعل الصادر عنها غير متوجه إلى غاية ، فإن الروية لا تجعل الفعل ذا غاية ، بل إنما تميز الفعل الذي تختار ، وتعينه من بين أفعال يجوز اختيارها.
ثم يكون لكل فعل من تلك الأفعال غاية مخصوصة ، يلزم تأدي ذلك إليها لذاته ، لا بجعل جاعل ، حتى لو قدر كون النفس مسلمة عن اختلاف الدواعي والصوارف ، لكان يصدر عن الناس فعل متشابه على نهج واحد ، من غير روية ، كما في الفلك ، فإن الأفلاك سليمة عن البواعث والعوارض المختلفة ، فلا جرم أفاعيلها على نهج واحد ، من غير روية.
ومما يؤيد ذلك أن نفس الروية فعل ذو غاية ، وهي لا تحتاج إلى روية أخرى.
وأيضا إن الصناعات لا شبهة في تحقق غايات لها ، ثم إذا صارت ملكة لم تحتج في استعمالها إلى الروية ، بل ربما تكون الروية مانعة ، كما في الكاتب الماهر ، فإنه لا يروي في كل حرف ، وكذا العواد الماهر ، لا يتفكر في كل نقرة ،
Halaman 173