وفي دَرْسِ آي الكِتَابِ العَزِيزِ ... وَتَرجيعِهَا لِيهِيجَ الحَزَنْ
وَدَرْسِ الصَّحيح من المُسْنَدَات ... إلى المُرْسَلِ العَاقِبِ المُؤْتَمَنْ
ومحو الذُّنوبِ بِدَمْع يَصُوب ... على مَا مضَى في قَدِيم الزَّمَنْ
وأمسِ الرسوم مَحتْها الغيُومُ ... وأنسى الحبيبَ وأنسى الوَطَنْ
وَأنْسَى الدِّيارَ وسُكَّانَهَا ... ومَا كَانَ لي فيهمُ مِنْ شَجَنْ
وأبكي بِشَجْوٍ عَلَى مُهْجَتِي ... بُكاءَ الحَمَائِم فَوْقَ الفَننْ
فإنِّي رَأيْتُ الوَرَى ظَاعِنيـ ... ـنَ نَحْوَ البِلَى ما لَهُمْ مِنْ سَكنْ
فأيْقَنْتُ أني بِلا مِرْيَةٍ ... غدًا ظَاعِنٌ مِثْل مَنْ قَدْ ظَعَنْ
سَأجْعل ذِكْر البِلَى في القُنُوت ... مَكانَ ادِّكار اللِّوا والدِّمَنْ
وأورد من كلامه في الزهد قوله:
أيّها السائر إلى ديار الموتى قد سارتِ الدُّنيا وما تدري والراكب لسفينة البقاء، أما علمت أنَّها إلى الفناء تجري؟ أنتَ المغتر بمدة العُمُر وهي قصيرة، والمُفتن في أنواع الهوى بغير بصيرة، عجبًا من اختلاف أحوالك وأطوارك، وتقلباتك وأسفارك، أما أسفار دنياك، فتشفق فيها من عبدٍ عاجز أن يَنْهَب طِمرك، وأما سفرك إلى أُخراك، فتأمن فيه مِن ربِّ قادرٍ أن يقصِفَ عمرك، ما أخوفك في موضع السلامة، وآمنك في موضع المخافة، أما خوفك، فحيث ينجو الغني بفلوسه، والفقير ببؤسه، والمترفِّق برفقائه، والقوي بقوته، وأما أمنُك، فحيث ارتعدت فرائصُ الملوك القواهر، ولم يدفع عنهم الحصون ولا العساكر ضَلَّةً لرأيك، فأستيقظ، وضيعةً لعمرك فاستحفظ.
يَا مُولَعًا بوِصَالِ عَيْشٍ نَاعِمِ ... سَتُصَدُّ عَنْهُ رَاضِيًا أوْ كارِهَا
إن المَنِيَّة تُزْعِجُ الأحْرَارَ عَنْ ... أوْطَانِهمْ والطَّيْرَ عنْ أوْكَارِهَا