في ظلام الليل ينادي بعضنا بعضا.
في ظلام الليل ينادي الأخ أخاه، والأم ابنها، والزوج زوجته، والمحب حبيبته، وعندما تتمازج أصواتنا، وتتعالى إلى كبد الفضاء يقف الموت هنيهة ضاحكا منا، مستهزئا بنا، ثم يسير محدقا بالشفق البعيد.
الأضراس المسوسة
كان في فمي ضرس مسوس، وكان يحتال على تعذيبي؛ فيسكن متربصا ساعات النهار، ويستيقظ مضطربا في هدوء الليل عندما يكون أطباء الأسنان نائمين، والصيدلية مقفلة.
ففي يوم، وقد نفد صبري، ذهبت إلى أحد الأطباء وقلت له: «ألا فانزعه ضرسا خبيثا يحرمني لذة الرقاد ويحول سكينة ليالي إلى الأنين والضجيج».
فهز الطبيب رأسه قائلا: «من الغباوة أن نستأصل الضرس إذا كان بإمكاننا تطبيبه».
ثم أخذ يحفر جوانب الضرس، وينظف زواياه، ويتفنن بتطهيره من العلة، ولما وثق بأنه صار خاليا من السوس حشا ثقوبه بالذهب الخالص، ثم قال مفاخرا: «لقد أصبح ضرسك العليل أشد وأصلب من أضراسك الصحيحة» فصدقت كلامه، وملأت حفنته بالدنانير وذهبت فرحا.
ولكن لم يمر الأسبوع حتى عاد الضرس المشؤوم إلى تعذيبي، وإبدال أنغام روحي بحشرجة الاحتضار، وعويل الهاوية.
فذهبت إلى طبيب آخر، وقلت به بصوت يعانقه الحزم: «ألا فاخلعه ضرسا مذهبا شريرا، ولا تعترض «فمن يأكل العصى لا كمن يعدها».
فنزع الطبيب الضرس، وقد كانت ساعة هائلة بأوجاعها، ولكنها كانت ساعة مباركة.
Halaman tidak diketahui