منذ ثلاثة سنوات نظم أديب أفندي قصيدة خلق في مدح سيادة المطران يوحنا شمعون وأنشدها أمامه في دار حبيب بك سلوان، ولما فرغ من تنغيمها دعاه سيادة المطران، ووضع يده على كتفه وقال له مبتسما: «عفاك الله يا ابني فما أبلغك شاعرا، وما أذكاك أديبا، فأنا أفتخر بأمثالك بأنك ستكون من رجال الشرق الكبار».
ومن تلك الساعة إلى الآن، ووالد أديب أفندي، وعمه، وخاله ينظرون إليه معجبين، ويتحدثون عنه مفاخرين قائلين: «أو لم يقل المطران يوحنا شمعون إنه سيكون من رجال الشرق العظام؟». (3) فريد بك دعيبس
هو رجل يناهز الأربعين، طويل القامة، صغير الرأس، كبير الفم، ضيق الجبهة أصلعها، يمشي متثاقلا بصدر منتفخ، وعنق مستطيل، ولخطواته وزن خاص يضارع بخترة جمل يقود هودجا، وعندما يتكلم بصوته الجهوري، وأسلوبه الفخم تخاله - إن لم تكن تعرفه - أحد وزراء الدولة المشغولين بتدبير شؤون الناس المهتمين بتكييف أمور العباد.
وليس لفريد بك من عمل سوى الجلوس في صدور المحافل، وتعداد مآتي أسرته المجيدة ومزايا محتده الكريم، وهو مغرم بسير أخبار الرجال العظام، وأعمال الأبطال الكبار كنابليون وعنترة العبسي، وله ولع خاص بالأسلحة النفيسة، ولديه منها مجموعة حسنة معلقة بترتيب على جدران منزله، ولكنه لا يحسن استعمالهاز
ومن أقواله المأثورة: «إن الله خلق الناس طبقات متفاوتة، منها للرئاسات ومنها للخدمة»، ومنها «إنما الشعب حمار حرون لا يسير إلأا إذا علوت ظهره» ومنها «القلم للضعفاء أما السيف فللأشداء ...».
وما هي الأسباب التي تجعل فريد بك أن يتمجد متغطرسا، ويتجبر متعجرفا، ويزهو مختالا متبذخا، متبجحا.
ذاك سر من أسرار السرجين المفضض أبانه لنا سطانائيل، ونحن بدورنا نبينه لكم:
في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، بينما كان الأمير بشير الشهابي سائرا بكوكبة من رجاله بين أودية لبنان، مر بقرب القرية التي كان يقطنها منصور دعيبس جد فريد بك دعيبس. ولما كان النهار حارا والشمس تريش الأرض بسهامها الدقيقة، فتكاد تحرقها ترجل الأمير قائلا لرجاله «تعالوا نرتاح في ظلال السنديانة».
وعلم منصور دعيبس بذلك، فنادى جيرانه الفلاحين، وأخبرهم بوجود الأمير الكبير على مقربة من قريتهم، فساروا ورائه نحو تلك السنديانة حاملين أطباق التين، والعنب، وجرار اللبن والخمر، والعسل، ولما بلغوا المكان تقدم منصور دعيبس، وقبل أطراف أذيال الأمير، ثم نحر كبشا أمامه، وهتف قائلا «هذا من خير أميرنا وولي نعمتنا».
فسر الأمير بأريحيته، وخلع عليه قائلا: «ستكون منذ الآن، وصاعدا شيخا على هذه القرية مشمولا بنظري الخصوصي، وقد أعفيت سكان قريتك من الأموال الأميرية في هذه السنة».
Halaman tidak diketahui