الإنسانية طفلة تقف متأوهة بجانب الطائر الذبيح، ولكنها تخشى الوقوف أمام العاصفة الهائلة التي تهصر بمسيرها الأغصان اليابسة، وتجرف بعزمها الأقذار المنتنة.
الإنسانية ترى يسوع الناصري مولودا كالفقراء، عائشا كالمساكين، مهانا كالضعفاء، مصلوبا كالمجرمين، فتبكيه، وترثيه، وتندبه وهذا كل ما تفعله لتكريمه.
منذ تسعة عشر جيلا، والبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع، ويسوع كان قويا، ولكنهم لا يفهمون معنى القوة الحقيقية.
ما عاش يسوع مسكينا خائفا، ولم يمت شاكيا متوجعا، بل عاش ثائرا، وصلب متمردا، ومات جبارا.
لم يكن يسوع طائرا مكسور الجناحين، بل كان عاصفة هوجاء تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجة.
لم يجئ يسوع من وراء الشفق الأزرق، ليجعل الألم رمزا للحياة، بل جاء ليجعل الحياة رمزا للحق والحرية.
لم يخف يسوع مضطهديه، ولم يخش أعدائه، ولم يتوجع أمام قاتليه، بل كان حرا على رؤوس الأشهاد جريئا أمام الظلم والاستبداد، يرى البثور الكريهة فيبضعها، ويسمع الشر متكلما فيخرسه، ويلتقي بالرياء فيصرعه.
لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى، ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الأديرة والصوامع ويستهوي الرجال الأشداء ليقودهم قسوسا ورهبانا، بل جاء ليبث في فضاء هذا العالم روحا جديدة قوية تقوض قوائم العروش المرفوعة على الجماجم، وتهدم القصور المتعالية فوق القبور، وتسحق الأصنام المنصوبة على أجساد الضعفاء المساكين.
لم يجئ يسوع ليعلم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة في جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة، بل جاء ليجعل قلب الإنسان هيكلا، ونفسه مذبحا، وعقله كاهنا.
هذا ما صنعه يسوع الناصري، وهذه هي المبادئ التي صلب لأجلها مختارا. ولو عقل البشر لوقفوا اليوم فرحين متهللين، منشدين أهازيج الغلبة والانتصار. •••
Halaman tidak diketahui