242

تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت

يعرض به لما كان لحقه من السوداء أو الاختلاط، فغضب المأمون حتى ظن إبراهيم أنه سيوقع به، ثم قال له: أبيت إلا كفرا يا أكفر خلق الله لنعمه! والله ما حقن دمك غيره، ولقد أردت قتلك فقال لي: إن عفوت عنه فعلت فعلا لم يسبقك إليه أحد! فعفوت والله عنك لقوله، فحقه أن تعرض به ولا تدع كيدك ولا دغلك! أو أنفت من إيمائه إليك بالغناء! فوثب إبراهيم قائما وقال: يا أمير المؤمنين، لم أذهب حيث ظننت ولست بعائد، فأعرض عنه.

وزارة أحمد بن أبي خالد

يظهر أن المأمون كان قد صدم صدمة عنيفة من وزارة الفضل بن سهل ومن أخيه، لاستبدادهما بجل الأمور من دونه، ويظهر أنه فكر جديا في ألا يستوزر بعد الفضل أحدا، ويقال: إنه لما دعا إليه أحمد بن أبي خالد - وكان أبوه كاتب سر ابن عبيد الله كاتب المهدي ووزيره - قال له: إني كنت عزمت ألا أستوزر أحدا، ثم عرض عليه الوزارة، فتنصل أحمد منها وقال: يا أمير المؤمنين، أعفني من التسمي بالوزارة، وطالبني بالواجب فيها، واجعل بيني وبين العامة منزلة يرجوني لها صديقي ويخافني لها عدوي، فما بعد الغايات إلا الآفات!

وتدل هذه المناقشة، وإن كانت قصيرة، على أن أحمد بن أبي خالد قد وجد العبرة في تاريخ الفضل بن سهل وأمثاله، فرأى أن يكون مقتصدا في مكانته وسلطانه، وقد أعجب المأمون بكلامه واستوزره.

وسترى في كلمتنا المجملة التي عقدناها عن تقدير المأمون للشجاعة الأدبية طرفا من تصرفات أحمد بن أبي خالد وحسن تخلصه في حادثة عمرو بن مسعدة، وكيف كان شجاعا وصادقا، وكيف كان مخلصا للمأمون عاملا على إصلاح ما بينه وبين رجالات دولته.

ويقول صاحب الآداب السلطانية والدول الإسلامية: إن المأمون لما ولي طاهر بن الحسين خراسان استشار فيه أحمد بن أبي خالد، فصوب أحمد الرأي في تولية طاهر، فقال المأمون لأحمد: إني أخاف أن يغدر ويخلع ويفارق الطاعة، فقال أحمد: الدرك في ذلك علي - ويجب أن نشير هنا إلى ما جاء بكتاب عيون الأخبار عن دقة المأمون في مثل هذا الموقف، فإن المعلى بن أيوب أحد المعاصرين يحدثنا عن ذلك بقوله: سمعت المأمون يقول: من مدح لنا رجلا فقد تضمن عيبه - فولاه المأمون، فلما كان بعد مدة أنكر عليه المأمون أمورا وكتب إليه كتابا يتهدده فيه، فكتب طاهر جوابا أغلظ فيه للمأمون، ثم قطع اسمه من الخطبة ثلاث جمع، فبلغ ذلك المأمون فقال لأحمد بن أبي خالد: أنت الذي أشرت بتولية طاهر وضمنت ما يصدر منه، وقد ترى ما صدر منه من قطع الخطبة ومفارقة الطاعة، فوالله لئن لم تتلطف لهذا الأمر وتصلحه كما أفسدته وإلا ضربت عنقك! فقال أحمد: يا أمير المؤمنين، طب نفسا؛ فبعد أيام يأتيك البريد بهلاكه، ثم إن أحمد بن أبي خالد أهدى لطاهر هدايا فيها كواميخ مسمومة - وكان طاهر يحب الكامخ

2 - فأكل منها فمات من ساعته.

3

فإن صحت هذه الرواية دلت على أن المأمون ورجاله لم يكونوا قد صرفوا أنفسهم يومئذ عن التذرع إلى الخلاص من بعض رجال الدولة بالقضاء على حياتهم.

Halaman tidak diketahui