وارتاح للقرار واعتبره من صميم عمله. •••
وكانت ليلة الافتتاح في أول مايو. وقف عم فرج يا مسهل أمام المدخل يصيح بصوت مجلجل: هنا ... ست بدرية الفنانة ... مسرحية جديدة لم تمثل من قبل ... نديم السلطان ... ضحك حتى منتصف الليل ... أغان ورقص ... مشروبات من جميع الأنواع.
كان عزت متوتر الأعصاب، لم يعرف هذه الحال من قبل إلا في محنة الحب، وعند استهتاره بالعبادات لأول مرة. وقد شهد في الاستعداد نجوم الفرق المنافسة، فاطمأن إلى تفوق بدرية، ولكنه لم يضحك - كما توقع - وهو يتابع بروفات نديم السلطان. ومال نحو الأستاذ يوسف راضي ... كانا الوحيدين فوق مقاعد المشاهدين، وتساءل هامسا: لا شيء يدعو للضحك!
فقال المحامي منتهزا الفرصة: نحن في زمن الدراما والدموع !
انقبض عند ذاك صدره وتساءل: هل يرجع إلى أمه مفلسا؟! لذلك توترت أعصابه مع مشرق يوم الافتتاح ... غير أن الجمهور كان أكبر من المسارح جميعا. غصت المسارح بالرواد، وعمل البوفيه بنشاط فاق طاقته، فاستهلكت بالعشرات قوارير الغازوزة والجنجرايل وسندويتشات الفول والطعمية والبسطرمة. أكثر من هذا ضج الجمهور بالضحك، واستبق إلى إبداء الإعجاب ببدرية بألفاظ خرقت الاحتشام في كثير من الأحايين. وضح له نجاح العرض فاسترد الثقة والكبرياء، وتضاعف تقديره لحمدون، وشارك الجمهور في سروره بالرغم من أنه كان يرى المسرحية للمرة العاشرة.
14
عقب الانتهاء، عند منتصف الليل، جاءت بدرية وحمدون إلى حجرته بوجهين سعيدين، فهنأهما بالنجاح، فقال حمدون بحماس: نجاح فاق كل تصور.
وتمتمت بدرية: وبعد أن تاب الله علينا من السيرك.
وقام عزت وهو يقول: سنحتفل بالنجاح في حدائق شبرا!
اجتمع في الشقة الجديدة بدرية وحمدون ويوسف راضي، كذلك فرج يا مسهل للخدمة. وجيء بالكباب والفستق والويسكي، على حين عكف فرج يا مسهل على تجهيز الجوزة. وذاق عزت الويسكي لأول مرة في حياته، فغزاه انفعال جديد بالطرب، فلم يعد يبالي بوضعه الغريب ولا بتدهور قيمه، ورأى الكأس بيد بدرية فملكه شعور بأنهم - جميعا - أجانب، وأن الحارة القديمة كانت حلما ليس إلا. ولما أخذت النشوة بحمدون قال بنبرة خطابية: عرفت عزت في كتاب الشيخ العزيزي، فخلقت فوق الحصيرة صداقة أبدية، ولكني لم أعرف إلا الساعة أنه قدر علينا مصير واحد.
Halaman tidak diketahui